باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت العاشر من مايو سنة 2025م، الموافق
الثاني عشر من ذي القعدة سنة 1446ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب
عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار وطارق عبد العليم أبو العطا وخالد أحمد
رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز وصلاح محمد الرويني نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 48 لسنة 33 قضائية "دستورية"
المقامة من
صلاح السيد علي حسانين
ضد
1- رئيس الجمهورية
2- رئيس مجلس الوزراء
3- وزير العدل
4- النائب العام
5- وزير الإسكان
--------------------
الإجراءات
بتاريخ العشرين من مارس سنة 2011، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب
المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص المادتين (102 و107) من
قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008، والمادة (136) من اللائحة
التنفيذية لقانون البناء الصادرة بقرار وزير الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية
رقم 144 لسنة 2009، وقراره رقم 415 لسنة 2009.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة
إصدار الحكم بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل –على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق–
في أن النيابة العامة أسندت إلى المدعي، في الدعوى رقم 18939 لسنة 2010 جنح مركز
كفر صقر، أنه بتاريخ 17/11/2010، أقام أعمال بناء دون ترخيص من الجهة الإدارية
المختصة، وقدمته إلى المحاكمة الجنائية، طالبة معاقبته بالمادة (102/1، 2، 3) من
قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008. وفي أثناء تداول القضية أمام
محكمة جنح مركز كفر صقر، قدَّم المدعي حافظة مستندات، طويت على كتاب الوحدة
المحلية لقرية القضاة بمحافظة الشرقية، متضمنًا أن عزبة الجويني التابعة لقرية
الشرقابة – مركز كفر صقر، التي يقع في نطاقها البناء المخالف، لم يصدر بشأنها حيز
عمراني حديث أو مخطط تفصيلي أو مخطط استراتيجي عام، وأن البناء المخالف أقيم على
أرضٍ زراعية، ودفع المدعي بعدم دستورية نص المادتين (102 و107) من قانون البناء
الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008، والمادة (136) من لائحته التنفيذية، وقرار
وزير الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية رقم 415 لسنة 2009. وإذ قدرت المحكمة
جدية الدفع وصرحت له باتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية على نص المادتين (102
و107) من القانون المشار إليه؛ فأقام الدعوى المعروضة بطلباته سالفة البيان.
وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن نطاق الدعوى
الدستورية التي أتاح المشرع للخصوم إقامتها – وفقًا لنص البند (ب) من المادة (29)
من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979– يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية
المبدى أمام محكمة الموضوع، وفي الحدود التي تقدر فيها تلك المحكمة جديته، وعلى
ضوء الطلبات التي تضمنتها صحيفة الدعوى الدستورية. متى كان ذلك، وكانت محكمة
الموضوع لم تصرح للمدعي باتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية إلا بشأن نص المادتين
(102 و107) من قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008، فإن الدعوى
المعروضة لا تكون قد اتصلت بالمحكمة الدستورية العليا اتصالًا مطابقًا للأوضاع
المقررة في قانونها المشار إليه بالنسبة إلى المادة (136) من اللائحة التنفيذية
لقانون البناء سالف الذكر، وقرار وزير الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية رقم
415 لسنة 2009، وتغدو الدعوى في هذا الشق منها غير مقبولة.
وحيث إن المادة الثانية من القانون رقم 119 لسنة 2008 بإصدار قانون البناء، تنص على أن "تحظر إقامة أي مبانٍ أو منشآت خارج حدود الأحوزة العمرانية المعتمدة للقرى والمدن أو المناطق التي ليس لها مخطط استراتيجي عام معتمد، أو اتخاذ أي إجراءات في شأن تقسيم هذه الأراضي، ويستثني من هذا الحظر:.....".
وتنص المادة (102) من قانون
البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008 على أن "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد
على خمس سنوات أو الغرامة التي
لا تقل عن مثلي قيمة الأعمال المخالفة ولا تجاوز ثلاثة أمثال هذه
القيمة، كل من قام بإنشاء مبانٍ أو إقامة أعمال أو توسيعها أو تعليتها أو تعديلها
أو تدعيمها أو ترميمها أو هدمها بدون ترخيص من الجهة الإدارية المختصة.
كما يعاقب بذات العقوبة كل
من يخالف أحكام المادة الثانية من قانون الإصدار.
ويعاقب بعقوبة الحبس المشار
إليها في الفقرة الأولى، وبغرامة لا تقل عن مثلي قيمة الأعمال المخالفة بما لا
يجاوز خمسمائة ألف جنيه، كل من قام باستئناف أعمال سبق وقفها بالطريق الإداري على
الرغم من إعلانه بذلك.
وفي جميع الأحوال تخطر نقابة المهندسين أو اتحاد المقاولين –حسب الأحوال– بالأحكام التي تصدر ضد المهندسين أو المقاولين وفقًا لأحكام هذا القانون لاتخاذ ما يلزم بشأنهم".
وتنص المادة (107) من
القانون ذاته على أن "يعاقب المخالف بغرامة تعادل 1٪ (واحد في المائة) من
إجمالي قيمة الأعمال المخالفة عن كل يوم يمتنع فيه عن تنفيذ ما قضى به الحكم أو
القرار النهائي من الجهة المختصة من إزالة أو تصحيح أو استكمال، وذلك بعد انتهاء
المدة التي تحددها الجهة الإدارية المختصة بشئون التخطيط والتنظيم بالوحدة المحلية
لتنفيذ الحكم أو القرار.
ويكون الخلف العام أو الخاص مسئولًا عن تنفيذ ما قضى به الحكم أو القرار
النهائي من إزالة أو تصحيح أو استكمال، وتبدأ المدة المقررة للتنفيذ من تاريخ
إعلانه بالحكم أو القرار إعلانًا قانونيًّا، ويطبق في شأنه الأحكام الخاصة
بالغرامة المنصوص عليها في هذه المادة.
كما تسري أحكام هذه الغرامة
في حالة استئناف الأعمال الموقوفة، وذلك عن كل يوم اعتبارًا من اليوم التالي
لإعلان ذوي الشأن بقرار الإيقاف".
وحيث إن المقرر في قضاء هذه
المحكمة أن مفهوم المصلحة الشخصية المباشرة، وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية،
يتحدد على ضوء عنصرين أوليين، يقيمان معًا مضمونهما، ولا يتداخل أحدهما مع الآخر
أو يندمج فيه، وإن كان استقلالهما عن بعضهما البعض لا ينفي تكاملهما، وبدونهما
مجتمعين لا يجوز أن تباشر المحكمة الدستورية العليا رقابتها على دستورية النصوص
التشريعية، أولهما: أن يقيم المدعي –في حدود الصفة التي اختصم بها النص التشريعي
المطعون فيه– الدليل على أن ضررًا واقعيًّا – اقتصاديًّا أو غيره – قد لحق به،
ويجب أن يكون هذا الضرر مباشرًا، مستقلًّا بعناصره، ممكنًا إدراكه ومواجهته
بالترضية القضائية، وليس ضررًا متوهمًا أو نظريًّا أو مجهلًا، بما مؤداه أن
الرقابة على الدستورية يجب أن تكون موطئًا لمواجهة أضرار واقعية، بغية ردها وتصفية
آثارها القانونية، ولا يتصور أن تقوم المصلحة الشخصية المباشرة إلا مرتبطة بدفعها.
ثانيهما: أن يكون مرد الأمر في هذا الضرر إلى النص التشريعي المطعون فيه، فإذا لم
يكن هذا النص قد طبق على المدعي أصلًا، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان
قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، فإن المصلحة
الشخصية المباشرة تكون منتفية؛ ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها لن
يحقق للمدعي أيَّة فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في
الدعوى الدستورية عما كان عليه عند رفعها.
متى كان ما تقدم، وكان الثابت بالأوراق أن الفعل المسند إلى المدعي
ارتكابه، هو إقامة مبانٍ خارج حدود الأحوزة العمرانية المعتمدة للقرى والمدن، الذي
يتساند تجريمه إلى صدر الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون رقم 119 لسنة
2008 بإصدار قانون البناء، ونُص على عقوبته في الفقرة الثانية من المادة (102) من
قانون البناء المشار إليه، التي أحالت في بيان نوع العقوبة وحدودها إلى نص الفقرة
الأولى من المادة ذاتها، وكان طعن المدعي بعدم الدستورية وإن انصب على نص المادة
(102) من قانون البناء، دون نص المادة الثانية من قانون الإصدار رقم 119 لسنة
2008، فإن نص الفقرة الثانية من المادة المطعون فيها، وقد أحال بصورة جلية إلى نص
التجريم المشار إليه، يكون قد قصد من ذلك إلحاقه بأحكامه منتزعًا إياه من إطاره
التشريعي، جاعلًا منه لبنة من بنيانه وجزءًا من نسيجه مندمجًا فيه؛ ومن ثم تتحقق
مصلحة المدعي في الطعن على صدر الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون رقم
119 لسنة 2008، والفقرة الثانية من المادة (102) من قانون البناء، فيما تضمنتاه من
حظر إقامة أي مبانٍ أو منشآت خارج حدود الأحوزة العمرانية المعتمدة للقرى والمدن،
ومعاقبة كل من يخالف هذا الحظر بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات أو الغرامة التي
لا تقل عن مثلي قيمة الأعمال المخالفة ولا تجاوز ثلاثة أمثال هذه القيمة، وذلك دون
ما اشتمل عليه نص المادة (102) من أحكام أخرى، ودون نص المادة (107) من القانون
ذاته، الذي يعاقب على وقائع تغاير الاتهام المسند إلى المدعي؛ ومن ثم تنتفي مصلحته
في الطعن على دستوريتهما.
وحيث إن هذه المحكمة قد سبق لها أن حسمت المسألة الدستورية المتعلقة بصدر الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون رقم 119 لسنة 2008، والفقرة الثانية من المادة (102) من قانون البناء، في شأن جريمة إقامة أي مبانٍ أو منشآت خارج حدود الأحوزة العمرانية المعتمدة للقرى والمدن – الفعل المسند إلى المدعي ارتكابه - وذلك بحكمها الصادر بجلسة 16/1/2022، في الدعوى رقم 75 لسنة 35 قضائية "دستورية"، الذي قضى برفض الدعوى المقامة طعنًا عليهما، وقد نُشر ذلك الحكم في الجريدة الرسمية - العدد 2 (مكرر) بتاريخ 19/1/2022، وكان مقتضى نص المادة (195) من الدستور، ونص المادتين (48 و49) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن تكون أحكام المحكمة وقراراتها ملزمة للكافة وجميع سلطات الدولة، وتكون لها حجية مطلقة بالنسبة لهم، باعتبارها قولًا فصلًا في المسألة المقضي بها، وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيها أو إعادة طرحها عليها من جديد لمراجعتها؛ مما يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات.