باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت العاشر من مايو سنة 2025م، الموافق
الثاني عشر من ذي القعدة سنة 1446ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس
المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد
النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد
أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين عباس
نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 4 لسنة 24
قضائية "منازعة تنفيذ"
المقامة من
..........
ضد
1- رئيس الجمهورية
2- رئيس مجلس الشعب (النواب حاليًّا)
3- رئيس مجلس الوزراء
4- وزير العدل
5- رئيس مجلس القضاء الأعلى، ورئيس مجلس التأديب والصلاحية
-----------------
الإجراءات
بتاريخ الثاني والعشرين من مايو سنة 2002، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بالاستمرار في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 9/9/2000، في الدعوى رقم 151 لسنة 21 قضائية "دستورية"، وعدم الاعتداد بالحكم الصادر من مجلس الصلاحية بجلسة 30/4/2002، في طلب الصلاحية رقم 10 لسنة 2001.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل -على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- في أن السيد المستشار وزير العدل أحال المدعي، الذي كان يشغل وظيفة وكيل نيابة عامة، إلى مجلس تأديب القضاة –بهيئة عدم الصلاحية- بالطلب رقم 10 لسنة 2001؛ لمساءلته تأديبيًّا عما نسب إليه. وبتاريخ 31/10/2001، قرر مجلس التأديب استمرار السير في الإجراءات. وبجلسته المنعقدة في 30/4/2002، أصدر حكمًا بنقل المدعي إلى وظيفة غير قضائية. وإذ ارتأى المدعي أن حكم مجلس الصلاحية آنف البيان يُشكل عقبة تحول دون تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 9/9/2000، في الدعوى رقم 151 لسنة 21 قضائية "دستورية"، القاضي بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (98) من قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972. وقال شرحًا لدعواه إن النص المقضي بعدم دستوريته كان يجري على أنه "ولا يمنع من الجلوس في هيئة مجلس التأديب سبق الاشتراك في طلب الإحالة إلى المعاش أو رفع الدعوى التأديبية"، ولما كان تشكيل هيئة مجلس التأديب التي أصدرت ذلك الحكم جاء مخالفًا للدستور والقانون وحكم المحكمة الدستورية العليا المنازع في تنفيذه؛ إذ كان من بين أعضائها من سبق أن أبدى رأيًا في قرار المجلس بالسير في إجراءات دعوى الصلاحية ضد المدعي؛ فقد أقام الدعوى المعروضة بطلباته سالفة البيان.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن قوام منازعة التنفيذ أن يكون تنفيذ الحكم القضائي لم يتم وفقا لطبيعته، وعلى ضوء الأصل فيه، بل اعترضته عوائق تحول قانونًا -بمضمونها أو أبعادها- دون اكتمال مداه، وتعطل -تبعا لذلك- أو تقيد اتصال حلقاته وتضاممها، بما يعرقل جريان آثاره كاملة دون نقصان، ومن ثم تكون عوائق التنفيذ القانونية هي ذاتها موضوع منازعة التنفيذ التي تتوخى في غايتها النهائية إنهاء الآثار المصاحبة لتلك العوائق، أو الناشئة عنها، أو المترتبة عليها، ولا يكون ذلك إلا بإسقاط مسبباتها وإعدام وجودها، لضمان العودة بالتنفيذ إلى حالته السابقة على نشوئها. وكلما كان التنفيذ متعلقًا بحكم صادر في دعوى دستورية، فإن حقيقة مضمونه، ونطاق القواعد القانونية التي احتواها، والآثار المتولدة عنها، هي التي تحدد جميعها شكل التنفيذ، وتبلور صورته الإجمالية، وتعين كذلك ما يكون لازمًا لضمان فاعليته. بيد أن تدخل المحكمة الدستورية العليا - وفقًا لنص المادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 - لإزاحة عوائق التنفيذ التي تعترض أحكامها، وتنال من جريان آثارها في مواجهة الكافة، دون تمييز، بلوغًا للغاية المبتغاة منها في تأمين حقوق الأفراد وصون حرياتهم، يفترض ثلاثة أمور، أولها: أن تكون هذه العوائق -سواء بطبيعتها أو بالنظر إلى نتائجها- حائلة دون تنفيذ أحكامها، أو مقيدة لنطاقها. ثانيها: أن يكون إسنادها إلى تلك الأحكام وربطها منطقيًّا بها ممكنًا، فإذا لم تكن لها بها من صلة فإن خصومة التنفيذ لا تقوم بتلك العوائق، بل تعتبر غريبة عنها، منافية لحقيقتها وموضوعها. ثالثها: أن منازعة التنفيذ لا تُعد طريقًا للطعن في الأحكام القضائية، وهو ما لا تمتد إليه ولاية هذه المحكمة.
وحيث إن المحكمة الدستورية العليا قضت بجلسة 9/9/2000، في الدعوى رقم 151 لسنة 21 قضائية "دستورية" بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة (98) من قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972، التي كانت تنص على أنه: "ولا يمنع من الجلوس في هيئة مجلس التأديب سبق الاشتراك في طلب الإحالة إلى المعاش أو رفع الدعوى التأديبية".
وحيث إن المادة (98) من قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس
الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972 -قبل تعديلها بالقانون رقم 142 لسنة 2006-
كانت تنص على أن:
"تأديب القضاة بجميع درجاتهم يكون من
اختصاص مجلس تأديب يشكل على النحو الآتي:
- رئيس محكمة النقض.
رئيسًا
- أقدم ثلاثة من رؤساء محاكم الاستئناف
- أقدم ثلاثة من مستشاري محكمة النقض أعضاء
..........................".
وتنص المادة (111) من القانون ذاته على أنه "إذا ظهر في أي وقت أن القاضي فقد أسباب الصلاحية لولاية القضاء لغير الأسباب الصحية يُرفع طلب الإحالة إلى المعاش أو النقل إلى وظيفة أخرى غير قضائية من وزير العدل من تلقاء نفسه أو بناء على طلب رئيس المحكمة إلى المجلس المشار إليه في المادة (98) ولهذا المجلس –إذا رأى محلًّا للسير في الإجراءات– أن يندب عند الاقتضاء أحد أعضائه لإجراء ما يلزم من التحقيقات، ويدعو المجلس القاضي للحضور أمامه بميعاد ثلاثة أيام وبعد سماع ملاحظات ممثل النيابة العامة وأقوال القاضي أو من ينوب عنه يصدر قراره بقبول الطلب وبإحالة القاضي إلى المعاش أو بنقله إلى وظيفة أخرى غير قضائية أو برفض الطلب، وللمجلس أن يقرر أن القاضي في إجازة حتمية بمرتب كامل إلى أن يصدر قراره في الموضوع".
ومفاد ما تقدم أن قانون السلطة القضائية المشار إليه -قبل تعديله بالقانون رقم 142 لسنة 2006- قد أفرد الفصل التاسع من بابه الثاني للأحكام الخاصة بمساءلة القضاة تأديبيًّا، وعهد بذلك في المادة (98) منه إلى مجلس تأديب يُشكل برئاسة رئيس محكمة النقض وعضوية أقدم ثلاثة من رؤساء محاكم الاستئناف وأقدم ثلاثة من مستشاري محكمة النقض، وعهد إليهم الاختصاص بالفصل في دعوى التأديب والصلاحية، آخذًا في الاعتبار طبيعة وظائفهم وأقدميتهم على القمة من مدارج التنظيم القضائي، وما يتمتعون به من خبرة ودراية بأوضاع السلطة القضائية، وعمق فهمهم للمقاييس الصارمة التي يتعين أن يؤدى العمل القضائي في إطارها، وقدراتهم على النفاذ إلى الضوابط الكامنة في طبيعة الوظيفة القضائية وما يرتبط بها من القيم الرفيعة التي تَردُّ عنها كل تخرص أو شبهة تنال منها. كما أكد المشرع على المغايرة وعدم الخلط بين نظامي الدعوى التأديبية ودعوى الصلاحية، والتأكيد على أن الأخيرة لا تُعد فرعًا من الأولى، وأن لكل منهما أحكامها ومجالها الذي تعمل فيه. وبحسبان دعوى الصلاحية لا تقوم في الأصل على تهمة محددة جرى إسنادها إلى القاضي، وإن صح الارتكان إلى الحكم الصادر في شأنها لتقييم حالته على ضوء الشروط التي يتطلبها المشرع فيمن يولى القضاء، ومن بينها أن يكون شاغل الوظيفة القضائية محمود السيرة حسن السمعة، وهو شرط لا ينفك عنه بل يلازمه دومًا ما بقي قائمًا بأعبائها، بحيث إذا انتفت صلاحيته للاستمرار فيها؛ تعين بقرار من مجلس الصلاحية إحالته إلى المعاش أو نقله إلى وظيفة أخرى بعيدًا عن العمل القضائي، ويرفع طلب إحالته إلى المعاش أو النقل إلى وظيفة أخرى غير قضائية من وزير العدل من تلقاء نفسه، أو بناء على طلب رئيس المحكمة التي يتبعها القاضي إلى المجلس المشار إليه في المادة (98) من القانون سالف الذكر. ولهذا المجلس إذا رأى محلًّا للسير في الإجراءات أن يدعو القاضي للحضور أمامه خلال ميعاد ثلاثة أيام، وبعد سماع طلبات ممثل النيابة العامة ودفاع القاضي المُحال للصلاحية أو من ينوب عنه، يصدر المجلس حكمه مشتملًا على الأسباب التي بني عليها، إما بقبول الطلب وإحالة القاضي إلى المعاش أو نقله إلى وظيفة أخرى غير قضائية، وإما برفضه الطلب.
متى كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن حكم مجلس تأديب القضاة -بهيئة عدم صلاحية– الصادر في الطلب رقم 10 لسنة 2001 بإحالة المدعي إلى وظيفة غير قضائية، قد صدر عن مجلس تأديب تم تشكيله استنادًا إلى نص المادة (98) من قانون السلطة القضائية المشار إليه، بعد القضاء بعدم دستورية الفقرة الأخيرة منه؛ ومن ثم يكون هذا التشكيل قد التزم قضاء المحكمة الدستورية العليا الصادر في الدعوى رقم 151 لسنة 21 قضائية "دستورية"، بحسبان وزير العدل هو من أحال المدعي إلى مجلس الصلاحية، وإذ خلا تشكيل المجلس المذكور من وزير العدل، كما لم يثبت أنه شارك في هذا المجلس أي ممن اشترك في أي من إجراءات التحقيق التي باشرتها إدارة التفتيش القضائي، وبما مفاده: أنه لم يشارك في مجلس الصلاحية أي ممن سبق أن شارك في إحالة المدعي إلى ذلك المجلس لمحاكمته وتقرير صلاحيته؛ ومن ثم فلا يُعد هذا الحكم عقبة تحول دون تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا المنازع في تنفيذه.
ولا ينال مما تقدم ما أثاره المدعي بشأن مشاركة بعض أعضاء هيئة الحكم آنف البيان في تشكيل المجلس الذي قرر بجلسته المنعقدة في 31/10/2001 "استمرار السير في إجراءات دعوى الصلاحية"؛ فذلك مردود: بأن المشرع ناط بمجلس التأديب، وباعتباره جهة قضاء، الاختصاص الحصري بالفصل في دعوى الصلاحية، بما في ذلك النظر في الاستمرار في السير في إجراءاتها من عدمه، وذلك بمراعاة الأحكام التي خصه بها بمقتضى المادة (111) المشار إليها، وفى إطار الضمانات الجوهرية المنصوص عليها في المواد (104 و105 و106 و107) من قانون السلطة القضائية المشار إليه -ومنها أن تشكيل مجلس الصلاحية بأكمله من عناصر قضائية محددة عددًا وصفة - وقيامه دون غيره على شئون دعوى الصلاحية، وهيمنته على جميع إجراءاتها، بدءًا من قرار السير في إجراءاتها، إذا رأى محلًّا لذلك، وباعتباره افتتاحًا للخصومة، ويكون البدء في نظر موضوعها رهنًا بصدور ذلك القرار، وبما مفاده أن القرار الصادر من مجلس التأديب بشأن السير في الإجراءات، لا يُعد من قبيل قرارات الاتهام أو الإحالة، وإنما هو من إجراءات المحاكمة، ولا يفيد سبق إبداء الرأي في موضوع الدعوى، والقول بغير ذلك مؤداه الخلط بين إجراءات التحقيق التي باشرتها إدارة التفتيش القضائي، وما يليها من صدور قرار الإحالة من قبل وزير العدل، وبين القرار الصادر عن مجلس التأديب – بهيئة عدم الصلاحية - بالسير في الإجراءات التي يباشرها بحسبانه جهة قضاء وصاحب الولاية بنظر دعوى الصلاحية بعد إحالتها إليه؛ الأمر الذي لا يُعَدّ معه حكم مجلس الصلاحية المار ذكره، الصادر بنقل المدعي إلى وظيفة غير قضائية، مناقضًا لحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في الدعوى رقم 151 لسنة 21 قضائية "دستورية"؛ مما لزامه القضاء بعدم قبول الدعوى.
وحيث إنه عما أثاره المدعي بمذكرته المقدمة بجلسات التحضير أمام هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا، بإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 139 لسنة 2002 وقرار وزير العدل رقم 3085 لسنة 2002 الصادرين بتنفيذ حكم مجلس الصلاحية المار ذكره، بادعاء مخالفتهما حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في الدعوى رقم 151 لسنة 21 قضائية "دستورية"، فلما كان هذان القراران قد صدرا تنفيذًا لذلك الحكم، فإنهما يدوران معه وجودًا وعدمًا، وإذ انتهت هذه المحكمة في قضائها المتقدم إلى عدم قبول الدعوى المقامة من المدعي بعدم الاعتداد بحكم مجلس الصلاحية سالف البيان، فإن اختصام هذين القرارين باعتبارهما عقبة في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا المنازع في تنفيذه، لا يكون له محل؛ ويغدو -من ثم- الالتفات عن هذا الطلب متعينًا.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وألزمت المدعي المصروفات.