جلسة 29 من مارس سنة 1951
------------------
(95)
القضية رقم 160 سنة 19 القضائية
تزوير المحرر.
كما يكون بتقليد الإمضاء قد يكون أيضاً بتغيير عبارته. إقرار. الطعن فيه بالتزوير ليس فقط على أساس أن الإمضاء المطعون فيها ليست إمضاء الطاعن بل أيضاً على أساس أن الإقرار مزور بطريق تغيير عبارته وحصول إعادة على الإمضاء فيه. حكم برفض دعوى التزوير. تسبيبه. إقامته على ترجيح صحة الإمضاء. إغفاله التحدث عن الشق الآخر الذي بنى عليه الطاعن دفاعه من تزوير الإقرار بطريق عبارته. بطلان الحكم. مثال.
(المادة 103 من قانون المرافعات - القديم - ).
الوقائع
في 7 من سبتمبر سنة 1949 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف الإسكندرية الصادر في 27 من إبريل سنة 1949 في الاستئناف رقم 114 سنة 3 ق وذلك بتقرير طلب فيه الطاعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والحكم في موضوع الدعوى بإلغاء الحكم الابتدائي وبرد وبطلان الإقرار الرقيم 7/ 9/ 1943 أو إحالة الدعوى على محكمة الاستئناف لتفصل فيها من جديد دائرة أخرى وإلزام المطعون عليه في الحالتين بالمصروفات عن جميع درجات التقاضي ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 8 من سبتمبر سنة 1949 أعلن المطعون عليه بتقرير الطعن. وفي 22 منه أودع الطاعن أصل ورقة إعلان المطعون عليه بالطعن وصورتين مطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداته. وفي 29 منه أودع المطعون عليه مذكرة بدفاعه مشفوعة بمستنداته طلب فيها رفض الطعن وإلزام الطاعن بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 11 من أكتوبر سنة 1949 أودع الطاعن مذكرة بالرد. وفي 3 من نوفمبر سنة 1949 أودع المطعون عليه مذكرة بملاحظاته على الرد. وفي 13 من يناير سنة 1951 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة الدعوى على محكمة الاستئناف للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى وإلزام المطعون عليه بالمصروفات. وفي 8 من مارس سنة 1951 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة... إلخ.
المحكمة
ومن حيث إن وقائع الدعوى حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وأوراق الطعن تخلص في أن الطاعن طلب الحكم بإلزام المطعون عليه بمبلغ 400 جنيه افترضه منه بموجب سند محرر في 7 من سبتمبر سنة 1944، فدفع المطعون عليه بأن حقيقة هذا السند أنه ضمان لمقاولة اشترك فيها مع الطاعن لتوريد عمال للأعمال الزراعية الخاصة بتفتيش المندرة ودسوق وذلك حتى يصفي حساب هذه الأعمال بينهما، وارتكن إلى إقرار يتضمن ذلك موقع عليه بإمضاء منسوبة إلى الطاعن ومحرر في نفس يوم تحرير السند وإلى أوراق أخرى. فطعن الطاعن في الإقرار المذكور بالتزوير في 4 من ديسمبر سنة 1944، فقررت محكمة الدرجة الأولى وقف الدعوى الأصلية حتى يفصل في دعوى التزوير ثم أعلن الطاعن المطعون عليه بأدلة التزوير في 7 من ديسمبر 1944، وقضت المحكمة في 6 من إبريل سنة 1944 بقبول الدليل الأول منها وحاصله أن الإمضاء الموقعة على الإقرار ليست إمضاءه وأن شكل الإقرار يقطع في تزويره، وندبت الدكتور حسن نجم مصطفى بقسم التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي خبيراً للمضاهاة، فقدم تقريراً ذهب فيه إلى أن الإمضاء المطعون فيها كانت تحت عبارة أخرى محيت وكتبت بدلها عبارة الإقرار كما أعيد على الإمضاء فأتت وبها وقفات قلم واهتزازات في حروفها وخلافات بينها وبين نظائرها من إمضاءات المضاهاة - وفي 14 من ديسمبر سنة 1946 قضت المحكمة الابتدائية برفض دعوى التزوير وإلزام الطاعن بمصروفاتها وتغريمه 20 جنيهاً. ومما جاء في أسباب حكمها أنها لاحظت على تقرير الخبير أنه مجمل العبارة ولا يتضمن تفصيلاً يوضح هذا الإجمال وأنه انتهى إلى نتيجة لم يقل بها الطاعن حين أعلن أدلة التزوير، كما نحا في البحث منحى لم تقصد إليه المحكمة في حكمها التمهيدي، بل خلع على الإمضاء اسماً غير الذي عرفت به إذ يبدو أنه قرأها (أبو السعود المغازي) مع أنها في جميع الإمضاءات تقرأ (أبو السعود الفقي) مما يدل على أن الفحص الذي قام به لم يتم بما كانت ترجوه المحكمة من دقة وعناية، كما أنه قال عن عبارة الإقرار إنها أثبتت بورقته بعد محو عبارة أخرى كانت بها بدليل ما شاهده فيها من ألياف قائمة، مع أن المحكمة اطلعت على الإقرار فلم يتبن لها وجود آثار محو بورقته ولا وقفات أو اهتزازات بالإمضاء ولا خلافات بين حروفها وحروف إمضاءات المضاهاة كما يفهم مما قاله من أنها كانت تحت عبارة أخرى محيت ووضع بدلها غيرها أنها إمضاء صحيحة بدليل أن اليد التي أجرت المحو لم تمتد إليها لمحوها هي كذلك بل حرصت على إبقائها ويظهر من الاطلاع عليها أنها أخذت لوناً أخف من لون صلب الإقرار مع أنه لو كانت هناك إعادة عليها لكان ظهر العكس، وأنه لذلك لا تطمئن المحكمة إلى ما جاء في هذا التقرير من أن الإمضاء المطعون فيها تخالف الإمضاءات الأخرى، يضاف إلى ذلك ما قاله الخبير الاستشاري في تقريره المقدم من المطعون عليه من أن هذه الإمضاء كتبت بنفس اليد التي كتبت الإمضاءات الأخرى. استأنف الطاعن هذا الحكم وقضت محكمة استئناف الإسكندرية في 7 من يونيه سنة 1948 بقبول الاستئناف شكلاً وقبل الفصل في موضوعه بإعادة المأمورية إلى خبير مصلحة الطب الشرعي لبيان الأوجه التي استند إليها في حصول المحو ومواضع الإعادة على الإمضاء ووقفات القلم واهتزازاته والأدلة عليها والرد على تقرير الخبير الاستشاري مع عمل صور فوتوغرافية مكبرة توضح مواضع الاهتزازات والوقفات، وقد قام الدكتور مصطفى كمال عبد الحميد شفيق بهذه المأمورية وقدم تقريراً انتهى فيه للأسباب الموضحة به تفصيلاً إلى أن ورقة الإقرار في المساحة المحرر عليها صلبه أليافها قائمة وغير مستقرة وصقلها مزال وأظهر ما يكون ذلك عند النظر إلى سطحها بالضوء المائل في حين أنها في الموضع المحررة عليه الإمضاء وفي هامشها العلوي وفي ظهرها أليافها مستقرة نوعاً ومحتفظة بلمعان صقلها وأن ذلك كله ينبئ عن أن سطح الورقة في المساحة المحرر عليها صلب الإقرار قد تناوله دون المواضع الأخرى المشار إليها محو بأداة لينة كالممحاة (الاستيكة) ثم حررت عليه بعد هذا المحو عبارة الإقرار وإلى أن التوقيع المطعون فيه يوجد به اهتزاز وتقطع وازدواج وإعادة في بعض الجرات المكونة لحروف ألفاظه كما أنه كان محرراً أصلاً بقلم كوبيا عادى يختلف في لونه عن لون القلم البنفسجي الذي استعمل في كتابة صلب الإقرار ثم أعيد على بعض جرات هذا التوقيع بهذا القلم البنفسجي كي يتمشى لونه مع لون الصلب وأنه يرى مع كثير من الترجيح أن التوقيع المذكور قد حرر بيد صاحبه بقلم كوبيا عادى خفيف ثم أعيد على بعض جراته بقلم كوبيا بنفسجي وقد ترتب على هذه الإعادة ما شوهد فيه من اهتزاز وتقطع وازدواج في بعض حروفه واختلاف طريقة كتابة بعض جرات هذه الحروف عن نظائرها في الإمضاءات الأخرى في أوراق المضاهاة. وفي 27 من إبريل سنة 1949 قضت المحكمة في موضوع الاستئناف برفضه وتأييد الحكم الابتدائي، وحاصل ما جاء في حكمها أنه يؤخذ من تقرير خبير مصلحة الطب الشرعي الثاني أن الإمضاء المطعون فيها كتبها الطاعن بخطه؛ وذلك على عكس ما يدعيه من أنها كتبت بيد غيره، أما القول بحصول الإعادة عليها فبفرض صحته فإنه لم يثبت أن هذه الإعادة كانت بيد أجنبية ولا ينفي ما جاء في التقرير أنها كتبت بيد الطاعن، خصوصاً وقد ذكر فيه أن المنظر العام للإمضاء من حيث وضع ألفاظه بالنسبة إلى بعضها البعض يشبه نظائره في إمضاءات المضاهاة، ولذلك وللأسباب الأخرى الواردة في الحكم الابتدائي التي تتخذها المحكمة أسباباً لها يكون هذا الحكم في محله.
ومن حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه مشوب بالقصور - ذلك أن المحكمة قصرت بحثها في الدعوى على الإمضاء المطعون فيها واعتبرتها صحيحة أخذاً بما جاء في نهاية تقرير خبير مصلحة الطب الشرعي الثاني من أنه يرى مع كثير من الترجيح أنها كتبت أصلاً بيد الطاعن - مع أن جوهر دفاعه في الدعوى هو أن الإقرار المطعون فيه والموقع عليه بالإمضاء المذكورة لم يصدر منه بحيث إذا ثبتت صحة هذا الدفاع كان الإقرار مزوراً لا فرق في ذلك بين أن تكون الإمضاء صحيحة أم مقلدة، إذ التزوير كما يكون بتقليد الإمضاء يكون أيضاً بتغيير العبارة التي يحويها المحرر المطعون فيه، ولما كان الطاعن قد أنكر من مبدأ الأمر صدور الإقرار منه إنكاراً مطلقاً وكان الخبير الأول قد أثبت في تقريره المقدم إلى محكمة الدرجة الأولى حصول محو في سطح ورقته وإعادة على الإمضاء كما جزم الخبير الثاني في تقريره المقدم إلى محكمة الاستئناف بتزويره بطريق تغيير عبارته والإعادة على الإمضاء وكانت المحكمة لم تتعرض لهذا الوجه ومناقشة أدلته فتكون قد أغفلت بحث دفاع جوهري للطاعن كان من واجبها القيام به لما له من أثر في تغيير وجه الحكم في الدعوى.
ومن حيث إنه لما كان الثابت بالأوراق أن الطاعن ارتكن في الدليل الأول من أدلة التزوير الذي قبلته محكمة الدرجة الأولى وأمرت بتحقيقه - ارتكن إلى أن الإقرار المطعون فيه لم يصدر منه وأن مما يقطع في تزويره شكل ورقته كما بنى دفاعه في الدعوى سواء أمام محكمة الدرجة الأولى أو أمام محكمة الاستئناف ليس فقط على أساس أن الإمضاء المطعون فيها ليست إمضاءه بل بناه كذلك على أساس أن ذات الإقرار المطعون فيه مزور بطريق تغيير عبارته وحصول إعادة على الإمضاء فيه، واستند في ذلك إلى ما أورده خبيرا مصلحة الطب الشرعي في تقريرهما السابق بيان حاصلهما - لما كان ذلك - وكان تزوير المحرر كما يكون بتقليد الإمضاء قد يكون أيضاً بتغير عبارته - وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه أقيم في أساسه على ترجيح صحة الإمضاء فيها، دون أن تلقي المحكمة بالاً إلى الشق الآخر الذي بنى عليه الطاعن دفاعه من تزوير الإقرار بطريق تغيير عبارته ودون أن يناقش ما اعتمد عليه فيه من أدلة - وكان لا يدفع عن حكمها هذا العيب أخذها فيه بأسباب حكم محكمة الدرجة الأولى التي قررت فيه أنها اطلعت على الإقرار المطعون فيه فلم يتبين لها وجود محو في ورقته ولا تغيير في عبارته، ذلك أنها لدى استئناف هذا الحكم إليها قضت بإعادة المأمورية إلى الخبير فقدم الخبير الثاني تقريره مؤكداً فيه حصول هذه التغيير، مما كان يقتضي منها بحثه والرد عليه - لما كان ذلك كذلك - يكون الحكم المطعون فيه قد أغفل التحدث عن دفاع جوهري للطاعن من شأنه لو صح أن يغير وجه الرأي في الدعوى، وهذا مما يبطله ويستوجب نقضه بغير حاجة إلى بحث أسباب الطعن الأخرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق