جلسة 20 من مارس سنة 2019
برئاسة السيد القاضي / أبو بكر البسيـوني نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / مجدي عبد الرازق، طارق بهنساوي وإبراهيم عوض نـواب رئيس المحكمة ولقمان الأحول .
----------------
(32)
الطعن رقم 5655 لسنة 88 القضائية
(1) حكم " بيانات التسبيب " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
بيان الحكم واقعة الدعوى وإيراد مؤدى أدلة الثبوت في بيان وافٍ . لا قصور .
عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم . متى كان مجموع ما أورده كافياً لتفهم الواقعة بأركانها وظروفها .
مثال .
(2) اشتراك . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . إسقاط حبلى عمداً .
الاشتراك بالاتفاق . يتكون من اتحاد نية الفاعل والشريك على ارتكاب الفعل المتفق عليه .
النية من مخبآت الصدور ودخائل النفوس التي لا تقع تحت الحس وليس لها أمارات ظاهرة .
للقاضي الجنائي الاستدلال على الاشتراك بطريق الاستنتاج والقرائن التي تقوم لديه أو من فعل لاحق للجريمة يشهد بوقوعه .
مثال لتدليل سائغ على توافر الاتفاق بين الطاعنين في جريمة إسقاط حبلى .
(3) إثبات " بوجه عام " " شهود " . محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " " سلطتها في تقدير الدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى . موضوعي . ما دام سائغاً .
تساند الأدلة في المواد الجنائية . مؤداه ؟
تقدير أقوال الشهود . موضوعي .
مفاد أخذ المحكمة بشهادة الشهود ؟
لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال الشاهد ولو كانت سماعية . لها الأخذ بأقوال ينقلها شخص عن آخر . متى اطمأنت إليها .
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(4) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير آراء الخبراء " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير والفصل فيما يوجه إليه من اعتراضات . موضوعي .
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(5) إثبات " بوجه عام " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
عدم التزام المحكمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها .
مثال .
(6) إجراءات " إجراءات المحاكمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر هي حاجة لإجرائه . غير مقبول .
مثال .
(7) استدلالات . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير جدية التحريات " .
اطراح الدفع بعدم جدية التحريات استناداً لاطمئنان المحكمة لجديتها . كاف . عدم إفصاح الضابط عن مصدر تحرياته أو ترديدها لأقوال الشاهدة . لا ينال من جديتها . علة ذلك ؟
للمحكمة أن تعول على التحريات باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة .
(8) إثبات " شهود " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
وزن أقوال الشهود وتقديرها . موضوعي .
قضاء المحكمة بإدانة الطاعن استناداً لأقوال الشهود . مفاده ؟
تناقض الشهود أو اختلاف روايتهم في بعض التفصيلات . لا يعيب الحكم . ما دامت المحكمة استخلصت الحقيقة من أقوالهم بما لا تناقض فيه .
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(9) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
نعي الطاعن بتناقض أقوال شاهد مع آخرين بشأن دخول المجني عليها متوفاة للمستشفى . غير مقبول . ما دام الحكم لم يتساند إليها في الإدانة .
(10) إثبات " معاينة " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
استناد الحكم في الإدانة إلى أقوال الشهود وعدم إشارته لمعاينة النيابة بأسبابه . النعي بتناقض المعاينة مع أقوال شاهد . غير مقبول .
(11) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
لمحكمة الموضوع تجزئة أقوال الشاهد . لها الأخذ بما تطمئن إليه منها واطراح ما عداه .
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(12) نقض " أسباب الطعن . تحديدها " .
وجه الطعن . وجوب أن يكون واضحاً محدداً .
مثال .
(13) إثبات " بوجه عام " " أوراق رسمية " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
العبرة في المحاكمات الجنائية باقتناع القاضي بناءً على الأدلة المطروحة عليه . مطالبته الأخذ بدليل معين . غير جائز . ما لم يقيده القانون بذلك .
للمحكمة الالتفات عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية . ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها . النعي بالتفاتها عن مستندات تم تقديمها بجلسات المحاكمة . غير مقبول .
(14) رابطة السببية . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير توافر رابطة السببية " .
علاقة السببية في المواد الجنائية . ماهيتها ؟
تقدير قيام رابطة السببية . موضوعي . الإهمال في علاج المجني عليها . لا يقطع رابطة السببية . علة وحد ذلك ؟
مثال لتدليل سائغ على توافر علاقة السببية في جريمتي إسقاط حبلى وإحداث جروح أفضت إلى موت .
(15) إثبات " شهود " " خبرة " .
تطابق أقوال الشهود ومضمون الدليل الفني . غير لازم . كفاية أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصي على الملاءمة والتوفيق .
مثال .
(16) دفوع " الدفع ببطلان الإقرار " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
النعي على الحكم في شأن إقرار الطاعن بمحضر الضبط . غير مقبول . ما دام لم يستند إليه في الإدانة . أثر ذلك : انحسار الالتزام بالرد على الدفع ببطلانه .
(17) إثبات " شهود " . إجراءات " إجراءات المحاكمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
وجوب بناء الأحكام الجنائية على التحقيق الشفوي الذي تجريه المحكمة بالجلسة . تلاوة أقوال الشهود حال تعذر سماعهم . صحيح . حد ذلك ؟
نعي الطاعن على المحكمة قعودها عن سماع أقوال شهود تنازل صراحة عن سماعهم . غير مقبول .
(18) إجراءات " إجراءات المحاكمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
فصل المحكمة في الدعوى دون سماع شهادة كبير الأطباء الشرعيين الذي لم يُطلب سماعه ولم يُتخذ الطريق القانوني لذلك . صحيح .
(19) دفوع " الدفع بنفي التهمة " " الدفع بتلفيق التهمة " " الدفع بعدم معقولية تصوير الواقعة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . إثبات " بوجه عام " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " .
الدفع بانتفاء أركان الجريمة وتلفيق الاتهام وكيديته وعدم معقولية الواقعة . موضوعي . لا يستوجب رداً صريحاً . استفادته ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً لأدلة الثبوت التي أوردها الحكم .
حسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه إيراد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على وقوع الجريمة المسندة للمتهم . تعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه . غير لازم . التفاته عنها . مفاده : اطراحها .
(20) محكمة النقض " سلطتها " .
سبق الرد على مناعي طاعن حال اطراح ذات المناعي من آخر . كفايته .
(21) نقض " أسباب الطعن . تحديدها " .
النعي بإغفال الحكم الرد على أوجه الدفاع دون تحديدها . غير مقبول .
(22) وقف التنفيذ .
الفصل في الطعن . يجعل طلب وقف التنفيذ غير ذي موضوع .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى في قوله : ( تتحصل في أن المتهم .... الجنسية تزوج المجني عليها / .... وأقاما .... وحملت منه على غير رغبته فأراد التخلص من الحمل بعد أن بلغ خمسة أشهر ، ووجد .... مكاناً آمناً لهذا الإسقاط وقبيل تاريخ الواقعة حضرا .... وأقاما بمحافظة .... وتوجها في اليوم السابق إلى عيادة المتهم الأول الطبيب .... بمدينة .... ، المشهور عنه إجراء عمليات الإجهاض رافقتها .... صاحبة المجني عليها حيث قام المتهم الأول بتوقيع الكشف الطبي على المجني عليها وطلب من صاحبتها الخروج ، ودلف بالمجني عليه لحجرة ملحقة بغرفة الكشف وأجرى لها عملية الإسقاط حيث اصطحبها زوجها المتهم الثاني وصاحبتها وهي في حالة إعياء شديد مستقلين سيارة .... حيث شاهد بالسيارة آثار دماء نزيف مكان تواجد المجني عليها حال توصيلهم للمسكن إقامتها وزوجها ، وفي مساء يوم الواقعة بعد عودة المجني عليها وزوجها المتهم الثاني هاتفه للحضور بالسيارة لإسعاف المجني عليها حيث تم نقلها لمستشفى .... حيث توفيت في حوالي الواحدة والنصف صباح اليوم التالي نتيجة النزيف المهبلي الشديد وتوقف القلب حسبما وقع الطبيب بالمستشفى المذكور .... وإذ أشارت تحريات المقدم .... وکیل فرقة مباحث .... إلى أن المتهم الثاني أحضر زوجته المجني عليها لإجهاضها لدى الطبيب المتهم الأول والذي قام بذلك على نحو ما سلف وأضاف أن أحداً لم يشاركه في واقعة الإسقاط وقت ارتكابها لها ، وقد ثبت من تقريري الصفة التشريحية المبدئي وجود بهامة شديدة بجثمان المجني عليها ونزيف دموي داخل تجويف البطن والرحم متضخم به مظاهر حمل وآثار تدخل جراحي في صورة غرز جراحية بطول الجانب الأيسر لعنق الرحم ووجود مظاهر تهتك مخيط بعنق الرحم وتعزي الرفاة إلى النزيف الشديد الحادث بعد الولادة وما أدى إليه من حدوث هبوط حاد بالدورة الدموية والتنفسية ، كما ثبت من تقرير اللجنة الثلاثية للطب الشرعي أنه نفاذاً لما جاء بتقرير الصفة التشريحية وتقرير قسم الباثولوجي بمصلحة الطب الشرعي فإن المجني عليها كانت حاملاً وقد تم إجراء تدخل جراحي لها - عملية إجهاض - بهدف التخلص من هذا الحمل وقد أدى ذلك إلى تهتك عنق الرحم ونزيف مهبلي ثم انتهت بالوفاة ، وبالاطلاع على ملف التحقيق ومقارنة ذلك بمرئيات الصفة التشريحيــة ، يتضح وجود جرح مخيط بالشفة الغليظ الأيمن لفتحة المهبل ، ثم جرح بیسار جدار المهبل ثم عنق الرحم ثم يسار جسم الرحم ، وهذا الجرح يظهر أثناء الكشف الطبي بالعين المجردة وبمنظار المهبل ، ولا يمكن أن تخطئه العين وقد قرر المتهم الأول الطبيب .... أنه أجرى الكشف بالمنظار المهبلي ولم يشاهد أي غرز جراحية ، وهذا يستحيل عملياً في حالة وجودها ، وهو ما يؤكد أن هذه الغرز الجراحية قد تمت من قبل هذا الطبيب ويتفق وأقوال الشهود ويؤكد تدهور حالة المريضة بعد خروجها من عيادته بالنزیف الشديد الذي أدى لوفاتها ، أما ما جاء بأقوال الطبيب من أن عيادته خاصة بالكشف الطبي فقط وغير معدة لإجراء مثل هذه العمليات فيجدر التأكيد أن هذه العمليات ليست في حاجة إلا لأدوات بسيطة جداً ، وهي موجودة في عيادات أطباء النساء والولادة وهذه الحالات لا ينظر إلى وجود خطأ طبي من عدمه لأن إجراء التداخل الجراحي لإجهاض الحامل دون سبب طبي هو فعل بحد ذاته مجرم لأنه يؤدي لقتل جنين دون سبب يبيح ذلك ، واستناداً لما سبق وبعد اتضاح الصورة كاملة أمام اللجنة بالاطلاع على ملف التحقيق ، فإن اللجنة تری أن المتهم الأول الطبيب .... هو الذي أجرى عملية الإجهاض للمجني عليها دون سبب يبرر ذلك وهو المسئول عن وفاتها ، كما ثبت بكتاب وزارة الصحة بمديرية الشئون الصحية .... أن التخصص للطبيب .... بالمنشاة ممارس عام وليس نساء وتوليد ، وغير مصرح له بإجراء أية عمليات إجهاض أو تولید أو غيره من العمليات بالعيادة ) وساق الحكم على صحة الواقعة وإسنادها للطاعنين أدلة استقاها من أقوال شهود الإثبات وتحريات الشرطة وما قرره المتهم الثاني بالتحقيقات ، ومما ثبت من معاينة قسم الأدلة الجنائية لمسكن المجني عليها ، ومما أوراه تقريري الصفة التشريحية وتقرير اللجنة الثلاثية للطب الشرعي ومن كتاب مديرية الشئون الصحية .... وهى أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها وأورد الحكم مضمونها في بيان كاف – خلافاً لما يزعمه الطاعنان بأسباب طعنهما – وكان ما أورده الحكم على النحو المتقدم سواء في بيانه لواقعة الدعوى أو مضمون أدلة الثبوت التي عول عليها ما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دين الطاعنان بهما ، ولما كان القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة كان ذلك محققاً لحكم القانون كما جرى به نص المادة ۳۱۰ من قانون الإجراءات الجنائية ، ومن ثم فإن ما يثار بدعوى قصور الحكم في بيان الواقعة ومضمون أدلة الثبوت ومؤداها وماهية الأفعال التي قارفها كل منهما يكون غير سديد .
2- لما كان الاشتراك بالاتفاق إنما يتكون من اتحاد نية الفاعل والشريك على ارتكاب الفعل المتفق عليه وهذه النية من مخبآت الصدور ودخائل النفس التي لا تقع عادة تحت الحس وليس لها أمارات ظاهرة ، وللقاضي الجنائي إذا لم يقم على الاتفاق دليل مباشر أن يستدل عليها بطريق الاستنتاج والقرائن التي تقوم لديه ولا حرج عليه من أن يستنتج حصول الاشتراك من فعل لاحق للجريمة يشهد به ويسوغ وقوعه . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد دلل على توافر الاتفاق فيما بين الطاعنين – حال سرده لوقائع الدعوى على السياق المتقدم – واستنتج من فعل الطبيب بالإسقاط وتوجه الطاعن الثاني بالمجنى عليها للأول ابتغاء ذلك الإسقاط وهو ما تم من فعل واستند في ذلك إلى أقوال شهود الإثبات ومما أورت به التقارير الطبية ، فإن هذا حسبه ليبرأ من قالة القصور في التسبيب ، فضلاً عن أن الحكم عرض لعناصر الاشتراك بالاتفاق في حق الطاعنين بما يسوغه وذلك حال اطراحه لدفع الطاعن الثاني بعدم توافر أركان الجريمة في حقه ، مما يضحى معه النعي في هذا الشأن يكون غير سديد .
3- من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وهى في ذلك ليست مطالبة بالأخذ بالأدلة المباشرة بل لها أن ترتسمها كما استقرت في وجدانها بطريق الاستنتاج وكافة الممكنات العقلية ، ولا يلزم في الأدلة التي يعتمد عليها الحكم أن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئیات الدعوى لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة ، يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفى أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، وكان تقدير أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه ، ومتى أخذت بأقوالهم فإن ذلك يفيد اطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، كما أنه للمحكمة أن تأخذ بأقوال الشاهد ولو كانت سماعية ، كما لا يوجد في القانون ما يمنعها من الأخذ بالأقوال التي ينقلها شخص عن آخر متى اطمأنت إليها ورأت أنها صدرت حقيقة عمن رواها وكانت تمثل الواقع في الدعوى ، وكانت المحكمة – في الدعوى الماثلة – قد اطمأنت لأقوال الشهود ، وكانت الأدلة التي استندت إليها المحكمة في ذلك سائغة ومقبولة بشأن التصوير الذى أوردته المحكمة ، فإن ما يثيره الطاعنان بشأن أن أياً من شهود الإثبات لم يرَ واقعات الدعوى ولم يعاصر واقعاتها وأنها سماعية ومنقولة عن آخرين لا يعدو أن يكون محاولة لتجريح أدلة الدعوى على وجه معين تأدياً من ذلك إلى مناقضة ما استندت إليه بشأن تصوير الواقعة وأقوال الشهود وينحل إلى جدل موضوعي لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض .
4- لما كان الأصل أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم في الدعوى والفصل فيما يوجه إليه من اعتراضات شأنه في هذا شأن سائر الأدلة ، فلها مطلق الحرية في الأخذ بما تطمئن إليه منها ، والالتفات عما عداه ، ولا تقبل مصادرة المحكمة في هذا التقدير، وإذ كان ذلك ، وكانت المحكمة قد اطمأنت في حدود سلطتها التقديرية إلى ما ثبت بتقرير اللجنة الثلاثية للطب الشرعي واستندت إلى الرأي الفني به ، فإنه لا يجوز مجادلة المحكمة في هذا الشأن ولا مصادرة عقيدتها فيه أمام محكمة النقض ، ومن ثم فإن منعى الطاعنين في هذا الشأن لا يكون له محل .
5- من المقرر في أصول الاستدلال أن المحكمة لا تلتزم بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها ، ولها أن تفاضل بين تقارير الخبراء وتأخذ بما تراه وتطرح ما عداه ، إذ إن الأمر يتعلق بسلطتها في تقدير الدليل ، ومتى كانت المحكمة في حكمها المطعون فيه قد أخذت بتقرير اللجنة الثلاثية من الطب الشرعي ، فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع التقارير الطبية الأخرى في الدعوى سواء التي تقدم بها الدفاع عن الطاعنين – بفرض صحة ذلك – أو ما يناقض ما ورد بتقرير اللجنة الثلاثية للطب الشرعي دون أن تلتزم بـــــأن تعرض لها في حكمها أو ترد عليها استقلالاً ، ويكون منعى الطاعنين في هذا الشأن لا محل له .
6- لما كان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن أياً من الطاعنين أو المدافع عنهما لم يطلب إلى المحكمة سماع شهادة شاهدة الإثبات الأولى أو استدعاء أعضاء اللجنة الثلاثية بالطب الشرعي واضعي التقرير النهائي لسماع شهادتهم أو مناقشتهم بشأن ذلك التقرير تحقيقاً لدفاعهما ، فلا يصح لهما من بعد النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم ترَ هي من جانبها حاجة لإجرائه ، فإن منعاهما في هذا الخصوص يكون غير مقبول .
7- لما كان الحكم المطعون فيه قد اطرح الدفع بعدم جدية التحريات استناداً إلى اطمئنان المحكمة إلى تلك التحريات وجديتها ، وهو ما يُعد كافياً للرد على ما أثاره الطاعنان في هذا الصدد ، هذا إلى أنه لا محل للاستناد في اطراح تلك التحريات لعدم إفصاح الضابط عن مصدر تحرياته للقول بعدم جديتها ، أو أنها ترديداً لأقوال الشاهدة الأولى إذ مفاد ذلك أن مجريها قد تحقق من صدق رواية تلك الشاهدة ، فإن منعى الطاعنين في هذا الشأن – بفرض صحته – يكون غير قويم ، فضلاً عن أن المقرر أن التحريات لا تعدو أن تكون قرينة تعزز باقي الأدلة في الدعوى ، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم في هذا الخصوص يكون غير سديـد .
8- لما كان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم والتعويل على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات تقدره المحكمة التقدير الذي تطمئن إليه ، وكان مؤدى قضاء محكمة الموضوع بإدانة الطاعن الأول استناداً لأقوال الشهود هو اطراح ضمني منها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وكان لا يقدح في سلامة الحكم عدم اتفاق شهود الإثبات في بعض التفصيلات كما وأن التناقض في أقوالهم - على فرض حصوله - لا يعيب الحكم ما دام الثابت أن الحكم قد حصل أقوال الشهود بما لا تناقض فيه ولم يورد تلك التفصيلات أو يركن إليها في تكوين عقيدته - كالحال في الدعوى - فإن منازعة الطاعن الأول في القوة التدليلية لأقوال شهود الإثبات سواء الأولى والسادس على النحو الذي ذهب إليه في أوجه طعنه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل مما لا يقبل التحدي به أمام محكمة النقض .
9- لما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه لم يتساند في قضائه بإدانة الطاعن الأول إلى شهادة .... موظف استقبال مستشفى .... ومن ثم فإن منعى الطاعن الأول بشأن شهادة سالف الذكر لا يكون لها محل .
10- لما كان البين من الحكم المطعون فيه أنه استند في إدانة الطاعن إلى أقوال شهود الإثبات ولم يُشر إلى معاينة النيابة العامة لمكان الواقعة في سياق أسبابه ، ومن ثم يكون منعى الطاعن الأول بشأن تعارضها مع أقوال الشاهدة الأولى على غير سند .
11- من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تجزئ أقوال الشاهد فتأخذ منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه لتعلق ذلك بسلطتها في تقدير أدلة الدعوى ، وهي في ذلك غير ملزمة بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم قضاءها عليه ، ومن ثم فإنه لا على المحكمة – بفرض حصوله - إن هي أغفلت أقوال الشاهد الطبيب .... عدم الجزم بتعرض المجني عليها لعملية إسقاط للجنين أو لأقوال الطاعن الثاني من أنها أصيبت بالنزيف بمسكنها أو ما ورد بتقرير وحدة طب الأسرة في هذا الشأن ، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص وفيما اطمأنت إليه محكمة الموضوع من أقوال شهود الإثبات ينحل إلى جــــــدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرتها في شأنه أمام محكمة النقض .
12- من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً ، وكان الطاعنان لم يبينا أوجه التناقض التي شابت الحكم المطعون فيه بل ساقا القول في هذا الشأن مرسلاً مجهلاً ، ومن ثم يكون منعاهما غير مقبول .
13- لما كانت العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناء على الأدلة المطروحة بإدانة المتهم أو ببراءته فلا يصح مطالبته بالأخذ بدليل معين ، فقد جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه ، كما وأن للمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن تكون غير ملتئمة مع الحقيقة التي اطمأنت إليها ، ومن ثم فإن النعي على الحكم التفاته عن المستندات التي قدمها الطاعن الأول بجلسات المحاكمة أمام محكمة الموضوع أو المستندات التي قدمت أمام هذه المحكمة – محكمة النقض – بصدد نفي الاتهام عنه يكون غير سديد .
14- لما كان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن الأول بانتفاء علاقة السببية بين فعله والنتيجة التي انتهت بوفاة المجنى عليها واطرحه في منطق سائغ على أساس أن تردى حالة المجنى عليها كان إثر إجراء المتهم لها عملية الإجهاض مما أسفر عن استمرار تدهور حالتها عقب خروجها من عيادته حتى وافتها المنية ، وكان ما أورده الحكم سديد في القانون ويستقيم به اطراح دفاع الطاعن ، ذلك بأنه من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الضار الذى قارفه الجاني وترتبط بالناحية المعنوية بما يجب أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً ، وثبوت قيام هذه العلاقة من المسائل الموضوعية التي ينفرد قاضى الموضوع بتقديرها ، فمتى فصل فيها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدى إلى ما انتهى إليه – كالحال في الدعوى الماثلة – ولا يجدى الطاعن ما يثيره عن الإهمال في علاج المجنى عليها أو التراخي فيه لأنه فضلاً عن أنه لا يعدو القول المرسل الذى سيق بغير دليل فإنه – بفرض صحته – لا يقطع رابطة السببية لأن المتهم في جريمة إحداث الجرح عمداً يكون مسئولاً عن جميع النتائج المحتمل حصولها من الإصابة ولو كانت عن طريق غير مباشر كالتراخي في العلاج أو الإهمال فيه ما لم يثبت أنه كان متعمداً لتجسيم المسئولية وهو ما لم يقل به الطاعن ولا سند له في الأوراق ، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يضحى لا محل له .
15- من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصي على الملاءمة والتوفيق ، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لهذا الدفاع واطرحه للأسباب السائغة التي أوردها ، فإن منعى الطاعنين في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً .
16- لما كان الحكم قد استند في إثبات التهمة في حق الطاعن الأول على أقوال شهود الإثبات ولم يعول في ذلك على ثمة إقرار له بمحضر الضبط ولم يُشر إليه في مدوناته ، فإن النعى على الحكم في هذا الشأن يكون غير سديد . هذا إلى أن البين من مدونات الحكم أنه بنى قضاءه على ما اطمأن إليه من أدلة الثبوت التى قام عليها ولم يعول على أى دليل مستمد من إقرار للطاعن الثاني بمحضر الضبط والمدعى ببطلانه ، ومن ثم فقد انحسر عنه الالتزام بالرد استقلالاً على هذا الدفع – بفرض إثارته – ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن الثاني في هذا الصدد يكون غير سديد .
17- لما كان الأصل المقرر في المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية المعدل أن المحاكمة الجنائية يجب أن تبنى على التحقيق الشفوي الذي تجريه المحكمة بالجلسة وتسمع فيه الشهود ما دام ذلك ممكناً إلا أنه يصح لها أن تقرر تلاوة أقوال الشهود إذا تعذر سماع شهادتهم أو إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك يستوى في ذلك أن يكون القبول صريحاً أو ضمنياً بتصرف المتهم أو المدافع عنه بما يدل عليه ، وكان الثابت من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة في .... أن المدافع عن الطاعن الأول وكذا المدافع عن الطاعن الثاني تنازلا صراحة عن سماع أقوال شهود الإثبات وأعضاء اللجنة الثلاثية واضعي تقرير الطب الشرعي وأمرت المحكمة بتلاوتها ، فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي فصلت في الدعوى من دون أن تسمع شهادتهم ، كما لم يعاود أياً من الطاعنين التمسك بجلسة المرافعة الأخيرة التي صدر فيها الحكم المطعون فيه التمسك بسماع شهادة الشهود السابق التنازل عن شهادتهم ، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص بدعوى الإخلال بحق الدفاع لا يكون سديداً .
18- لما كان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن الأول أو المدافع عنه لم يطلب أياً منهما سماع شهادة كبير الأطباء الشرعيين السابق كشاهد نفي ، كما لم يسلك من جانبه الطريق الذي رسمه القانون في المادة 214 مكرراً أ/۲ من قانون الإجراءات الجنائية ، فلا تثريب على المحكمة إن هي فصلت في الدعوى دون سماعه ويضحى النعي بالإخلال بحق الدفاع غير سديد .
19- من المقرر أن الدفع بانتفاء أركان الجريمة وتلفيق الاتهام وكيديته وعدم معقولية تصوير الواقعة جميعها من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب في الأصل من المحكمة رداً صريحاً ما دام الرد يُستفاد ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ، وحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن الثاني في هذا الشأن يكون غير مقبول . هذا إلى أن الحكم عرض لدفع الطاعن بانتفاء أركان الجريمة في حقه واطرحه برد سائغ .
20- لما كانت مناعي الطاعن الثاني بشأن تدليل الحكم على الاشتراك في جريمة الإسقاط وتناقض الحكم في أسبابه وبشأن القوة التدليلية لشهادة الشاهدة الأولى فقد سبق الرد عليها حال اطراح مطاعن الطاعن الأول فلا حاجة لإعادة ذكرها .
21- لما كان ما يثيره الطاعنان من أن الحكم أغفل الرد على أوجه دفاعهم مردود بأنهما لم يعينا أوجه هذا الدفاع ولم يحدداه وذلك لمراقبة ما إذا كان الحكم قد تناولها بالرد من عدمه وهل كان ذلك الدفاع جوهرياً مما يجب على المحكمة أن تجيبهما أو ترد عليه أم هو من قبيل الدفاع الموضوعي الذى لا يستلزم رداً بل يعتبر الرد عليه مستفاداً من القضاء بالإدانة للأدلة التي أوردتها المحكمة في حكمها ، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشق من طعنهما يكون غير سديد .
22- لما كان البحث في طلب وقف تنفيذ العقوبة بالنسبة للطاعن الأول إلى أن يفصل في الطعن ، فإنه يكون قد أضحى غير ذي موضوع بعد الفصل في الطعن على السياق المتقدم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائـع
اتهمــت النيابة العامة الطاعنين بأنهما :
المتهم الأول :
1- بصفته طبيباً أسقط عمداً امرأة حبلی / .... بأن أجرى لها عملية إجهاض أسفرت عن إسقاطها على النحو المبين بتقرير اللجنة الثلاثية للطب الشرعي المرفق بالتحقيقات .
2- جرح عمداً / .... ، بأن ارتكب الجريمة موضوع الاتهام الأول ، فأحدث إصابة المجني عليها نفاذاً لمقصده ولم يقصد من ذلك قتلها بيد أن الجرح أحدث نزيفاً دموياً حاداً والموصوف بتقرير الطب الشرعي والذي أفضى إلى موتها .
المتهم الثاني : اشترك مع المتهم الأول بطريقي الاتفاق والمساعدة في جريمة إسقاط المجني عليها موضوع الاتهام الأول وذلك بأن اصطحبها إلى المتهم الأول في عيادته الخاصة لإجهاضها ، فتمت الجريمة بناءً على هذا الاتفاق وتلك المساعدة وذلك على النحو المبين بالتحقيقات.
وأحالتهما إلى محكمة جنايات ... لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 40/ ثانياً ، ثالثاً ، 41 ، 43 ، 236/ 1 ، 261 ، 263 من قانون العقوبات ، مع إعمال نص المادة 32 من ذات القانون بالنسبة للمحكوم عليه الأول ، والمادة 17 من قانون العقوبات بالنسبة للمحكوم عليه الثاني .
أولاً: بمعاقبة المتهم الأول / .... بالسجن لمدة خمس سنوات عما أسند إليه . ثانياً: بمعاقبة المتهم الثاني / .... بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة عما أسند إليه . ثالثاً: إلزام المتهمين بالمصروفات الجنائية .
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـة
ومن حيث إن الطاعنين ينعيان بمذكرات أسباب طعنهما على الحكم المطعون فيه أنه إذ دان الطاعن الأول بجريمتي إسقاط امرأه حبلى حال كونه طبيباً وإحداث جروح بها أفضت إلى موتها ، ودان الطاعن الثاني بالاشتراك في الجريمة الأولى ، قد شابه القصور في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ، والإخلال بحق الدفاع ، ذلك أن الحكم حُرر في صيغة عامة معماة خلت من الأسباب ومن مؤدى الأدلة التي عول عليها في إدانتهما ، ولم يبين ماهية الأفعال التي قارفها كل منهما ومدى التوافق بينهما على ارتكاب ما أسند إليهما ، وعول في الإدانة على أقوال شهود الإثبات رغم أنها جاءت سماعية وأن أياً منهم لم ير واقعاتها ، كما عول في الإدانة على تقرير الطب الشرعي النهائي على الرغم من قصوره وتناقضه مع التقرير الطبي الشرعي والمبدئي ، واطرح الحكم ما جاء بالتقرير الطبي الاستشاري من أن إصابة المجني عليها حدثت إثر سقوطها أرضاً ، ولم تعن المحكمة بإجراء تحقيق في هذا الشأن بسؤال شاهدة الإثبات الأولى ولجنة الطب الشرعي الثلاثية ، ورد الحكم بما لا يصلح رداً على الدفع بعدم جدية التحريات لخلوها من مصدرها وعدم تحديد مدتها وأنها ترديداً لأقوال الشاهدة الأولى ، فضلاً عن أنها لا تصلح كدليل للإدانة ويضيف الطاعن الأول أن الحكم عول في الإدانة على أقوال الشاهد السادس رغم تناقض أقواله مع الشاهدين الأولى والثاني بشأن دخول المجني عليها متوفاة للمستشفى ، وتناقضها مع أقوال موظف الاستقبال بمستشفى .... ، كما أن أقوال الشاهدة الأولى تناقضت مع تحريات الشرطة ومعاينة النيابة بشأن مكان الواقعة ، واطرح الحكم أقوال المتهم الثاني من أن المجني عليها أصيبت بالنزيف بمسكنها وليس بعيادة الطاعن الأول كما أن أقوال الطبيب .... وتقرير وحدة طب الأسرة لم يجزما بتعرض المجنى عليها للإسقاط بيد أن الحكم لم يفطن إلى تلك التناقضات وما قدمه من مستندات تنفى الاتهام عنه ، واطرح الحكم بما لا يصلح رداً الدفع بانقطاع علاقة السببية وأن الوفاة حدثت نتيجة الإهمال في العلاج وتناقض الدليلين القولي والفني ، كما أن دفاعه قام على التمسك ببطلان إقراره بمحضر الضبط وسماع شهادة شهود الإثبات وأعضاء اللجنة الثلاثية بالطب الشرعي وشاهد النفي كبير الأطباء الشرعيين السابق بيد أن المحكمة غفلت عن ذلك ولم تجبه لطلبه ، وأضاف الطاعن الثاني أن المحكمة لم تدلل تدليلاً سائغاً على اشتراكه في جريمة الإسقاط وأغفلت دفاعه بانتفاء أركان الجريمة في حقه ، وعدم معقولية تصوير الواقعة وكيدية الاتهام وتلفيقه بدلالة أن الشاهدة الأولى سبق اتهامها ابتداءً فضلاً عن وجود سوابق لها ، وأخيراً شاب الحكم تناقض في أسبابه ولم يعرض لدفوع الطاعنين بجلسة المحاكمة إيراداً لها ورداً عليها ، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى في قوله : ( تتحصل في أن المتهم .... الجنسية تزوج المجني عليها / .... وأقاما .... وحملت منه على غير رغبته فأراد التخلص من الحمل بعد أن بلغ خمسة أشهر ، ووجد .... مكاناً آمناً لهذا الإسقاط وقبيل تاريخ الواقعة حضرا .... وأقاما بمحافظة .... وتوجها في اليوم السابق إلى عيادة المتهم الأول الطبيب .... بمدينة .... ، المشهور عنه إجراء عمليات الإجهاض رافقتها .... صاحبة المجني عليها حيث قام المتهم الأول بتوقيع الكشف الطبي على المجني عليها وطلب من صاحبتها الخروج ، ودلف بالمجني عليه لحجرة ملحقة بغرفة الكشف وأجرى لها عملية الإسقاط حيث اصطحبها زوجها المتهم الثاني وصاحبتها وهي في حالة إعياء شديد مستقلين سيارة .... حيث شاهد بالسيارة آثار دماء نزيف مكان تواجد المجني عليها حال توصيلهم للمسكن إقامتها وزوجها ، وفي مساء يوم الواقعة بعد عودة المجني عليها وزوجها المتهم الثاني هاتفه للحضور بالسيارة لإسعاف المجني عليها حيث تم نقلها لمستشفى .... حيث توفيت في حوالي الواحدة والنصف صباح اليوم التالي نتيجة النزيف المهبلي الشديد وتوقف القلب حسبما وقع الطبيب بالمستشفى المذكور .... وإذ أشارت تحريات المقدم .... وکیل فرقة مباحث .... إلى أن المتهم الثاني أحضر زوجته المجني عليها لإجهاضها لدى الطبيب المتهم الأول والذي قام بذلك على نحو ما سلف وأضاف أن أحداً لم يشاركه في واقعة الإسقاط وقت ارتكابها لها ، وقد ثبت من تقريري الصفة التشريحية المبدئي وجود بهامة شديدة بجثمان المجني عليها ونزيف دموي داخل تجويف البطن والرحم متضخم به مظاهر حمل وآثار تدخل جراحي في صورة غرز جراحية بطول الجانب الأيسر لعنق الرحم ووجود مظاهر تهتك مخيط بعنق الرحم وتعزي الرفاة إلى النزيف الشديد الحادث بعد الولادة وما أدى إليه من حدوث هبوط حاد بالدورة الدموية والتنفسية ، كما ثبت من تقرير اللجنة الثلاثية للطب الشرعي أنه نفاذاً لما جاء بتقرير الصفة التشريحية وتقرير قسم الباثولوجي بمصلحة الطب الشرعي فإن المجني عليها كانت حاملاً وقد تم إجراء تدخل جراحي لها - عملية إجهاض - بهدف التخلص من هذا الحمل وقد أدى ذلك إلى تهتك عنق الرحم ونزيف مهبلي ثم انتهت بالوفاة ، وبالاطلاع على ملف التحقيق ومقارنة ذلك بمرئيات الصفة التشريحية ، يتضح وجود جرح مخيط بالشفة الغليظ الأيمن لفتحة المهبل ، ثم جرح بيسار جدار المهبل ثم عنق الرحم ثم يسار جسم الرحم ، وهذا الجرح يظهر أثناء الكشف الطبي بالعين المجردة وبمنظار المهبل ، ولا يمكن أن تخطئه العين وقد قرر المتهم الأول الطبيب .... أنه أجرى الكشف بالمنظار المهبلي ولم يشاهد أي غرز جراحية ، وهذا يستحيل عملياً في حالة وجودها ، وهو ما يؤكد أن هذه الغرز الجراحية قد تمت من قبل هذا الطبيب ويتفق وأقوال الشهود ويؤكد تدهور حالة المريضة بعد خروجها من عيادته بالنزیف الشديد الذي أدى لوفاتها ، أما ما جاء بأقوال الطبيب من أن عيادته خاصة بالكشف الطبي فقط وغير معدة لإجراء مثل هذه العمليات فيجدر التأكيد أن هذه العمليات ليست في حاجة إلا لأدوات بسيطة جداً ، وهي موجودة في عيادات أطباء النساء والولادة وهذه الحالات لا ينظر إلى وجود خطأ طبي من عدمه لأن إجراء التداخل الجراحي لإجهاض الحامل دون سبب طبي هو فعل بحد ذاته مجرم لأنه يؤدي لقتل جنين دون سبب يبيح ذلك ، واستناداً لما سبق وبعد اتضاح الصورة كاملة أمام اللجنة بالاطلاع على ملف التحقيق ، فإن اللجنة تری أن المتهم الأول الطبيب .... هو الذي أجرى عملية الإجهاض للمجني عليها دون سبب يبرر ذلك وهو المسئول عن وفاتها ، كما ثبت بكتاب وزارة الصحة بمديرية الشئون الصحية .... أن التخصص للطبيب .... بالمنشاة ممارس عام وليس نساء وتوليد ، وغير مصرح له بإجراء أية عمليات إجهاض أو توليد أو غيره من العمليات بالعيادة) وساق الحكم على صحة الواقعة وإسنادها للطاعنين أدلة استقاها من أقوال شهود الإثبات وتحريات الشرطة وما قرره المتهم الثاني بالتحقيقات ، ومما ثبت من معاينة قسم الأدلة الجنائية لمسكن المجني عليها ، ومما أوراه تقريري الصفة التشريحية وتقرير اللجنة الثلاثية للطب الشرعي ومن كتاب مديرية الشئون الصحية .... وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها وأورد الحكم مضمونها في بيان كاف – خلافاً لما يزعمه الطاعنان بأسباب طعنهما – وكان ما أورده الحكم على النحو المتقدم سواء في بيانه لواقعة الدعوى أو مضمون أدلة الثبوت التي عول عليها ما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دين الطاعنان بهما ، ولما كان القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة كان ذلك محققاً لحكم القانون كما جرى به نص المادة ۳۱۰ من قانون الإجراءات الجنائية ، ومن ثم فإن ما يثار بدعوى قصور الحكم في بيان الواقعة ومضمون أدلة الثبوت ومؤداها وماهية الأفعال التي قارفها كل منهما يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان الاشتراك بالاتفاق إنما يتكون من اتحاد نية الفاعل والشريك على ارتكاب الفعل المتفق عليه وهذه النية من مخبآت الصدور ودخائل النفس التي لا تقع عادة تحت الحس وليس لها أمارات ظاهرة ، وللقاضي الجنائي إذا لم يقم على الاتفاق دليل مباشر أن يستدل عليها بطريق الاستنتاج والقرائن التي تقوم لديه ولا حرج عليه من أن يستنتج حصول الاشتراك من فعل لاحق للجريمة يشهد به ويسوغ وقوعه . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد دلل على توافر الاتفاق فيما بين الطاعنين – حال سرده لوقائع الدعوى على السياق المتقدم – واستنتج من فعل الطبيب بالإسقاط وتوجه الطاعن الثاني بالمجنى عليها للأول ابتغاء ذلك الإسقاط وهو ما تم من فعل واستند في ذلك إلى أقوال شهود الإثبات ومما أورت به التقارير الطبية ، فإن هذا حسبه ليبرأ من قالة القصور في التسبيب ، فضلاً عن أن الحكم عرض لعناصر الاشتراك بالاتفاق في حق الطاعنين بما يسوغه وذلك حال اطراحه لدفع الطاعن الثاني بعدم توافر أركان الجريمة في حقه ، مما يضحى معه النعي في هذا الشأن يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وهي في ذلك ليست مطالبة بالأخذ بالأدلة المباشرة بل لها أن ترتسمها كما استقرت في وجدانها بطريق الاستنتاج وكافة الممكنات العقلية ، ولا يلزم في الأدلة التي يعتمد عليها الحكم أن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة ، يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفى أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، وكان تقدير أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه ، ومتى أخذت بأقوالهم فإن ذلك يفيد اطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، كما أنه للمحكمة أن تأخذ بأقوال الشاهد ولو كانت سماعية ، كما لا يوجد في القانون ما يمنعها من الأخذ بالأقوال التي ينقلها شخص عن آخر متى اطمأنت إليها ورأت أنها صدرت حقيقة عمن رواها وكانت تمثل الواقع في الدعوى ، وكانت المحكمة– في الدعوى الماثلة – قد اطمأنت لأقوال الشهود ، وكانت الأدلة التي استندت إليها المحكمة في ذلك سائغة ومقبولة بشأن التصوير الذى أوردته المحكمة ، فإن ما يثيره الطاعنان بشأن أن أياً من شهود الإثبات لم يرَ واقعات الدعوى ولم يعاصر واقعاتها وأنها سماعية ومنقولة عن آخرين لا يعدو أن يكون محاولة لتجريح أدلة الدعوى على وجه معين تأدياً من ذلك إلى مناقضة ما استندت إليه بشأن تصوير الواقعة وأقوال الشهود وينحل إلى جدل موضوعي لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان الأصل أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم في الدعوى والفصل فيما يوجه إليه من اعتراضات شأنه في هذا شأن سائر الأدلة ، فلها مطلق الحرية في الأخذ بما تطمئن إليه منها ، والالتفات عما عداه ، ولا تقبل مصادرة المحكمة في هذا التقدير، وإذ كان ذلك ، وكانت المحكمة قد اطمأنت في حدود سلطتها التقديرية إلى ما ثبت بتقرير اللجنة الثلاثية للطب الشرعي واستندت إلى الرأي الفني به ، فإنه لا يجوز مجادلة المحكمة في هذا الشأن ولا مصادرة عقيدتها فيه أمام محكمة النقض ، ومن ثم فإن منعى الطاعنين في هذا الشأن لا يكون له محل . لما كان ذلك ، وكان من المقرر في أصول الاستدلال أن المحكمة لا تلتزم بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها ، ولها أن تفاضل بين تقارير الخبراء وتأخذ بما تراه وتطرح ما عداه ، إذ إن الأمر يتعلق بسلطتها في تقدير الدليل ، ومتى كانت المحكمة في حكمها المطعون فيه قد أخذت بتقرير اللجنة الثلاثية من الطب الشرعي ، فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع التقارير الطبية الأخرى في الدعوى سواء التي تقدم بها الدفاع عن الطاعنين – بفرض صحة ذلك – أو ما يناقض ما ورد بتقرير اللجنة الثلاثية للطب الشرعي دون أن تلتزم بـــــأن تعرض لها في حكمها أو ترد عليها استقلالاً ، ويكون منعى الطاعنين في هذا الشأن لا محل له . لما كان ذلك ، وكان لا يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن أياً من الطاعنين أو المدافع عنهما لم يطلب إلى المحكمة سماع شهادة شاهدة الإثبات الأولى أو استدعاء أعضاء اللجنة الثلاثية بالطب الشرعي واضعي التقرير النهائي لسماع شهادتهم أو مناقشتهم بشأن ذلك التقرير تحقيقاً لدفاعهما ، فلا يصح لهما من بعد النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم ترَ هي من جانبها حاجة لإجرائه ، فإن منعاهما في هذا الخصوص يكون غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد اطرح الدفع بعدم جدية التحريات استناداً إلى اطمئنان المحكمة إلى تلك التحريات وجديتها ، وهو ما يُعد كافياً للرد على ما أثاره الطاعنان في هذا الصدد ، هذا إلى أنه لا محل للاستناد في اطراح تلك التحريات لعدم إفصاح الضابط عن مصدر تحرياته للقول بعدم جديتها ، أو أنها ترديداً لأقوال الشاهدة الأولى إذ مفاد ذلك أن مجريها قد تحقق من صدق رواية تلك الشاهدة ، فإن منعى الطاعنين في هذا الشأن – بفرض صحته – يكون غير قويم ، فضلاً عن أن المقرر أن التحريات لا تعدو أن تكون قرينة تعزز باقي الأدلة في الدعوى ، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم في هذا الخصوص يكون غير سديــد . لما كان ذلك ، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم والتعويل على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات تقدره المحكمة التقدير الذي تطمئن إليه ، وكان مؤدى قضاء محكمة الموضوع بإدانة الطاعن الأول استناداً لأقوال الشهود هو اطراح ضمني منها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وكان لا يقدح في سلامة الحكم عدم اتفاق شهود الإثبات في بعض التفصيلات كما وأن التناقض في أقوالهم - على فرض حصوله - لا يعيب الحكم ما دام الثابت أن الحكم قد حصل أقوال الشهود بما لا تناقض فيه ولم يورد تلك التفصيلات أو يركن إليها في تكوين عقيدته - كالحال في الدعوى - فإن منازعة الطاعن الأول في القوة التدليلية لأقوال شهود الإثبات سواء الأولى والسادس على النحو الذي ذهب إليه في أوجه طعنه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل مما لا يقبل التحدي به أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه لم يتساند في قضائه بإدانة الطاعن الأول إلى شهادة .... موظف استقبال مستشفى .... ومن ثم فإن منعى الطاعن الأول بشأن شهادة سالف الذكر لا يكون لها محل . لما كان ذلك ، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه استند في إدانة الطاعن إلى أقوال شهود الإثبات ولم يُشر إلى معاينة النيابة العامة لمكان الواقعة في سياق أسبابه ، ومن ثم يكون منعى الطاعن الأول بشأن تعارضها مع أقوال الشاهدة الأولى على غير سند . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تجزئ أقوال الشاهد فتأخذ منها مـا تطمئن إليه وتطرح ما عداه لتعلق ذلك بسلطتها في تقدير أدلة الدعوى ، وهي في ذلك غير ملزمة بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم قضاءها عليه ، ومن ثم فإنه لا على المحكمة – بفرض حصوله - إن هي أغفلت أقوال الشاهد الطبيب .... عدم الجزم بتعرض المجني عليها لعملية إسقاط للجنين أو لأقوال الطاعن الثاني من أنها أصيبت بالنزيف بمسكنها أو ما ورد بتقرير وحدة طب الأسرة في هذا الشأن ، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص وفيما اطمأنت إليه محكمة الموضوع من أقوال شهود الإثبات ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرتها في شأنه أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً ، وكان الطاعنان لم يبينا أوجه التناقض التي شابت الحكم المطعون فيه بل ساقا القول في هذا الشأن مرسلاً مجهلاً ، ومن ثم يكون منعاهما غير مقبول . لما كان ذلك ، وكانت العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناء على الأدلة المطروحة بإدانة المتهم أو ببراءته فلا يصح مطالبته بالأخذ بدليل معین ، فقد جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه ، كما وأن للمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن تكون غير ملتئمة مع الحقيقة التي اطمأنت إليها ، ومن ثم فإن النعي على الحكم التفاته عن المستندات التي قدمها الطاعن الأول بجلسات المحاكمة أمام محكمة الموضوع أو المستندات التي قدمت أمام هذه المحكمة – محكمة النقض – بصدد نفي الاتهام عنه يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن الأول بانتفاء علاقة السببية بين فعله والنتيجة التي انتهت بوفاة المجنى عليها واطرحه في منطق سائغ على أساس أن تردى حالة المجنى عليها كان إثر إجراء المتهم لها عملية الإجهاض مما أسفر عن استمرار تدهور حالتها عقب خروجها من عيادته حتى وافتها المنية ، وكان ما أورده الحكم سديد في القانون ويستقيم به اطراح دفاع الطاعن ، ذلك بأنه من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الضار الذى قارفه الجاني وترتبط بالناحية المعنوية بما يجب أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً ، وثبوت قيام هذه العلاقة من المسائل الموضوعية التي ينفرد قاضى الموضوع بتقديرها ، فمتى فصل فيها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدى إلى ما انتهى إليه – كالحال في الدعوى الماثلة – ولا يجدى الطاعن ما يثيره عن الإهمال في علاج المجنى عليها أو التراخي فيه لأنه فضلاً عن أنه لا يعدو القول المرسل الذى سيق بغير دليل فإنه – بفرض صحته – لا يقطع رابطة السببية لأن المتهم في جريمة إحداث الجرح عمداً يكون مسئولاً عن جميع النتائج المحتمل حصولها من الإصابة ولو كانت عن طريق غير مباشر كالتراخي في العلاج أو الإهمال فيه ما لم يثبت أنه كان متعمداً لتجسيم المسئولية وهو ما لم يقل به الطاعن ولا سند له في الأوراق ، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يضحى ولا محل له . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصي على الملاءمة والتوفيق ، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لهذا الدفاع واطرحه للأسباب السائغة التي أوردها ، فإن منعى الطاعنين في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد استند في إثبات التهمة في حق الطاعن الأول على أقوال شهود الإثبات ولم يعول في ذلك على ثمة إقرار له بمحضر الضبط ولم يُشر إليه في مدوناته ، فإن النعى على الحكم في هذا الشأن يكون غير سديد . هذا إلى أن البين من مدونات الحكم أنه بنى قضاءه على ما اطمأن إليه من أدلة الثبوت التى قام عليها ولم يعول على أى دليل مستمد من إقرار للطاعن الثاني بمحضر الضبط والمدعى ببطلانه ، ومن ثم فقد انحسر عنه الالتزام بالرد استقلالاً على هذا الدفع – بفرض إثارته – ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن الثاني في هذا الصدد يكون غير سديد . لما كان ذلك ، ولئن كان الأصل المقرر في المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية المعدل أن المحاكمة الجنائية يجب أن تبنى على التحقيق الشفوى الذى تجريه المحكمة بالجلسة وتسمع فيه الشهود ما دام ذلك ممكناً إلا أنه يصح لها أن تقرر تلاوة أقوال الشهود إذا تعذر سماع شهادتهم أو إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك يستوى في ذلك أن يكون القبول صريحاً أو ضمنياً بتصرف المتهم أو المدافع عنه بما يدل عليه ، وكان الثابت من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة في .... أن المدافع عن الطاعن الأول وكذا المدافع عن الطاعن الثاني تنازلا صراحة عن سماع أقوال شهود الإثبات وأعضاء اللجنة الثلاثية واضعي تقرير الطب الشرعي وأمرت المحكمة بتلاوتها ، فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي فصلت في الدعوى من دون أن تسمع شهادتهم ، كما لم يعاود أياً من الطاعنين التمسك بجلسة المرافعة الأخيرة التي صدر فيها الحكم المطعون فيه التمسك بسماع شهادة الشهود السابق التنازل عن شهادتهم ، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص بدعوى الإخلال بحق الدفاع لا يكون سديداً . لما كان ذلك ، وكان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن الأول أو المدافع عنه لم يطلب أياً منهما سماع شهادة كبير الأطباء الشرعيين السابق كشاهد نفي ، كما لم يسلك من جانبه الطريق الذي رسمه القانون في المادة 214 مكرراً أ/۲ من قانون الإجراءات الجنائية ، فلا تثريب على المحكمة إن هي فصلت في الدعوى دون سماعه ويضحى النعي بالإخلال بحق الدفاع غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الدفع بانتفاء أركان الجريمة وتلفيق الاتهام وكيديته وعدم معقولية تصوير الواقعة جميعها من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب في الأصل من المحكمة رداً صريحاً ما دام الرد يُستفاد ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ، وحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقیم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئیات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن الثاني في هذا الشأن يكون غير مقبول . هذا إلى أن الحكم عرض لدفع الطاعن بانتفاء أركان الجريمة في حقه واطرحه برد سائغ . لما كان ذلك ، وكانت مناعي الطاعن الثاني بشأن تدليل الحكم على الاشتراك في جريمة الإسقاط وتناقض الحكم في أسبابه وبشأن القوة التدليلية لشهادة الشاهدة الأولى فقد سبق الرد عليها حال اطراح مطاعن الطاعن الأول فلا حاجة لإعادة ذكرها . لما كان ذلك ، وكان ما يثيره الطاعنان من أن الحكم أغفل الرد على أوجه دفاعهم مردود بأنهما لم يعينا أوجه هذا الدفاع ولم يحدداه وذلك لمراقبة ما إذا كان الحكم قد تناولها بالرد من عدمه وهل كان ذلك الدفاع جوهرياً مما يجب على المحكمة أن تجيبهما أو ترد عليه أم هو من قبيل الدفاع الموضوعي الذى لا يستلزم رداً بل يعتبر الرد عليه مستفاداً من القضاء بالإدانة للأدلة التي أوردتها المحكمة في حكمها ، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشق من طعنهما يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان البحث في طلب وقف تنفيذ العقوبة بالنسبة للطاعن الأول إلى أن يفصل في الطعن ، فإنه يكون قد أضحى غير ذي موضوع بعد الفصل في الطعن على السياق المتقــدم . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق