الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

الأربعاء، 21 مايو 2025

الطعن 18493 لسنة 83 ق جلسة 23 / 2 / 2021 مكتب فني 72 ق 35 ص 220

جلسة 23 من فبراير سنة 2021
برئاسة السيـد القاضي/ نبيل عمران "نائب رئيس المحكمة"، وعضوية السادة القضاة/ د. مصطفى سالمان، صلاح عصمت ود. محمد رجاء وياسر بهاء الدين "نواب رئيس المحكمة".
---------------
(35)
الطعن رقم 18493 لسنة 83 القضائية
(1) نقل " النقل البحري : اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحري للبضائع (قواعد هامبورج) " .
اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحري للبضائع عام 1978 "قواعد هامبورج" . دخولها حيز النفاذ في الأول من نوفمبر 1992 وفق المادة 30 منها بعد الموافقة عليها بقرار رئيس الجمهورية رقم 104 لسنة 1979 . مؤداه . معاملتها معاملة القانون ـ أثره . استبعاد ق 8 لسنة 1990 بشأن التجارة البحرية .
(3،2) نقل " النقل البحري : اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحري للبضائع (قواعد هامبورج) : بطلان شرط استبعاد تطبيق الاتفاقية " .
(2) اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحري للبضائع لعام 1978 . بطلان كل شرط يرد في عقد النقل البحري أو في سند الشحن أو في أية وثيقة أخرى مثبتة لعقد النقل البحري يقرر استبعاد تطبيق تلك الاتفاقية أو إعفاء الناقل من المسئولية عن الخسارة الناتجة عن هلاك البضائع أو تلفها أو التأخير في تسليمها بطلانًا مطلقًا متعلقًا بالنظام العام في حدود مخالفته لها . المادتان 5 و23 من الاتفاقية .
(3) تفريغ الشِحنة بميناء الإسكندرية بجمهورية مصر العربية وهي دولة متعاقدة باتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحري للبضائع عام 1978 الموقعة في هامبورج . مؤداه . خضوع سند الشحن محل النزاع للاتفاقية . علة ذلك . عدم جواز تحدي الشركة الطاعنة بأن البند الخامس من سند الشحن يعفيها من المسئولية عن التأخير لبطلانه ومخالفته للاتفاقية . انتهاء الحكم المطعون فيه إلى عدم إعفاء الشركة الطاعنة من المسئولية . صحيح . لا تعيبه تقريراته القانونية الخاطئة المتعلقة باستناده إلى قانون التجارة البحرية للوصول إلى ذات النتيجة . لمحكمة النقض أن تصححه دون نقضه .
(4 -7) نقل " النقل البحري : اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحري للبضائع (قواعد هامبورج) : مسئولية الناقل البحري في ظل الاتفاقية ".
(4) اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحري للبضائع لعام 1978 "قواعد هامبورج" . التزام الناقل البحري بسلامة البضائع التي في عهدته وبعدم تأخير تسليمها . التزام ببذل عناية لا بتحقيق غاية . بدؤه من الوقت الذي استلم فيه تلك البضائع من الشاحن في ميناء الشحن حتى الوقت الذي يتسلمها فيه المُرسَل إليه أو تُوضع تحت تصرفه في ميناء التفريغ . المادتان 4 ، 5 من الاتفاقية .
(5) مسئولية الناقل البحري . قيامها على أساس الخطأ المفترض . لا يحتاج المضرور إلا إلى إثبات الضرر . مؤداه . افتراض خطأ الناقل وعلاقة السببية بين الخطأ والضرر . أثره . جواز نفي الناقل قرينة الخطأ . كيفيته . المرفق الثاني من اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحري للبضائع لعام 1978 .
(6) اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحري للبضائع لعام 1978 . تحديد مسئولية الناقل عن الخسارة الناتجة عن هلاك البضائع أو تلفها وعن التأخير في التسليم . كيفيته . م 6 /أ ، ب . شرطه . عدم جواز تعدي مجموع مسئولية الناقل بمقتضى الفِقرتين (أ) ، (ب) معًا الحد الذي سيتقرر بمقتضى الفِقرة (أ) بالنسبة للهلاك الكلي للبضائع الذي تنشأ هذه المسئولية بشأنه . فقرة (ج) .
(7) وجوب إخطار المُرسَل إليه للناقل كتابة بالهلاك أو التلف الظاهر للبضائع مع تحديد الطبيعة العامة لهما في ميعاد لا يجاوز يوم العمل التالي مباشرة لتسليمها وخلال خمسة عشر يومًا متصلة تلي مباشرة يوم تسليمها إذا كان الهلاك أو التلف غير ظاهر . تجاوز الميعاد . قرينة قانونية على تسليم الناقل للبضائع كما هي موصوفة في سند الشحن . مؤداه . انتقال عبء إثبات أن التلف حدث وقت النقل البحري إلى عاتق المضرور . م 19/1، 2 اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحري للبضائع لعام 1978 .
(8 -10) نقل " النقل البحري : اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحري للبضائع (قواعد هامبورج): تقدير التعويض : التعويض عن تلف وهلاك البضائع " .
(8) عيب التلف . اعتباره ظاهرًا في حكم القانون . نطاقه . إدراكُ النَظِرِ اليَقِظ له ولو لم يكن في متناول إدراك غيره . معياره . معيارٌ مُتَعَيَّنٌ بذاته مقدرٌ بمستوى نظر الشخص الفطن المتنبه للأمور وليس معيارًا شخصيًا .
(9) العدلُ يأبَى أن يجمعَ شخصٌ بين البدلينِ . البضاعة ذاتها وقيمة التعويض المستحق عنها. علة ذلك .
(10) قضاء الحكم المطعون فيه بمبلغ التعويض عن كامل قيمة البضاعة دون أن يقف على المصير الذي آلت إليه تلك البضاعة وما إذا كان المطعون ضده يحوزها من عدمه ودون استظهار ما إذا كان سند الشحن قد تضمن بيانًا بالحالة الموصوفة بها البضاعة وتاريخ استلام المطعون ضده للشحنة وتاريخ إخطاره للناقل بعيب التحجر وما إذا كان هذا الإخطار قد تم في الميعاد المحدد في الاتفاقية من عدمه . خطأ وقصور . علة ذلك .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- المقرر –في قضاء محكمة النقض- أن اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحري للبضائع لعام 1978 الموقعة في هامبورج، والمعروفة باسم "قواعد هامبورج" Hamburg Rules، والتي حلت محل المعاهدة الدولية الخاصة بتوحيد بعض القواعد المتعلقة بسندات الشحن (بروكسل 1924) "قواعد لاهاي" والبروتوكولات الملحقة بها "قواعد لاهاي – فيسبي". والتي وُفِق عليها بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 104 لسنة 1979 المنشور في الجريدة الرسمية بالعدد 15 في 11 أبريل 1991، والتي أُعيد نشرها من جانب وزارة الخارجية -الإدارة القانونية والمعاهدات- بالجريدة الرسمية بالعدد 25 في 18 يونيو سنة 1992 باستدراك الأخطاء المادية في تلك الاتفاقية، ودخلت حيز النفاذ الفعلي -وفقًا للمادة 30 منها- اعتبارًا من الأول من نوفمبر 1992، واعتبارًا من هذا التاريخ الأخير تُعامل نصوص هذه الاتفاقية في جمهورية مصر العربية معاملة القانون، وتطبق أحكامها وحدها على عقود النقل البحري للبضائع متى توافرت أحوال تطبيقها المبينة فيها، وهو ما يؤدي دائمًا إلى استبعاد تطبيق أحكام القانون رقم 8 لسنة 1990 بشأن التجارة البحرية في مسائل النقل البحري للبضائع التي تناولتها الاتفاقية.
2- إن مؤدى المادتين 5 ، 23 من هذه الاتفاقية (اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحري للبضائع لعام 1978) هو بطلان كل شرط يرد في عقد النقل البحري أو في سند الشحن أو في أية وثيقة أخرى مثبتة لعقد النقل البحري، يقرر استبعاد تطبيق تلك الاتفاقية أو إعفاء الناقل من المسئولية عن الخسارة الناتجة عن هلاك البضائع أو تلفها أو التأخير في تسليمها، بطلانًا مطلقًا متعلقًا بالنظام العام، في حدود مخالفته لها.
3- إذ كان البين من الأوراق ومدونات الحكم المطعون فيه أن شِحنة النزاع تم شحنها من ميناء كالكتا بالهند بتاريخ 21/3/2007 بمعرفة الشركة الطاعنة – الناقل- بموجب سند شحن، وتم تفريغ تلك الشِحنة بميناء الإسكندرية بجمهورية مصر العربية، وهي دولة متعاقدة باتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحري للبضائع عام 1978 الموقعة في هامبورج، فإن سند الشحن محل النزاع يخضع للاتفاقية المشار إليها؛ باعتبار أن ميناء التفريغ المتفق عليه يقع في دولة متعاقدة عملًا بالبند (ب) من الفِقرة الأولى من المادة الثانية من الاتفاقية، ومن ثم فلا يجوز للشركة الطاعنة التحدي بأن البند الخامس من سند الشحن يعفيها من المسئولية عن التأخير؛ لبطلانه ومخالفته للاتفاقية. ولما كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى نتيجة صحيحة بشأن عدم إعفاء الشركة الطاعنة من المسئولية، فلا تعيبه من بعد تقريراته القانونية الخاطئة المتعلقة باستناده إلى قانون التجارة البحرية للوصول إلى ذات النتيجة؛ إذ لمحكمة النقض أن تصححه دون أن تنقضه.
4- إن مؤدى المادتين 4 و5 من اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحري للبضائع لعام 1978 "قواعد هامبورج" أن التزام الناقل البحري بسلامة البضائع التي في عهدته وبعدم تأخير تسليمها هو التزام ببذل عناية لا بتحقيق غاية، يبدأ من الوقت الذي استلم فيه تلك البضائع من الشاحن في ميناء الشحن حتى الوقت الذي يتسلمها فيه المُرسَل إليه أو تُوضع تحت تصرفه في ميناء التفريغ.
5- إن تلك القواعد (قواعد هامبورج) -كما ورد بالمُرفق الثاني من الاتفاقية- (اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحري للبضائع لعام 1978) تقيم مسئولية الناقل على أساس الخطأ المفترض بحيث لا يحتاج المضرور إلا إلى إثبات الضرر؛ إذ يُفترض خطأ الناقل كما تُفترض علاقة السببية بين الخطأ والضرر، ويجوز للناقل نفي قرينة الخطأ بإثبات أنه اتخذ، هو وتابعوه، جميع ما كان من المعقول تطلب اتخاذه من تدابير لمنع وقوع الضرر.
6- إن المادة 6 من الاتفاقية (اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحري للبضائع لعام 1978) المتعلقة بتحديد مسئولية الناقل قد تناولت في الفِقرة (أ) منها تحديد المسئولية عن الخسارة الناتجة عن هلاك البضائع أو تلفها، سواءً كان الهلاك أو التلف يرجع إلى التأخير أو غيره من الأسباب، بمبلغ يعادل 835 وحدة حسابية - من حقوق السحب الخاصة Special Drawing Rights (SDR)، وفقًا لطريقة التقويم التي يطبقها صندوق النقد الدولي، محولة إلى العملة الوطنية للدولة، عملًا بالمادة 26 من الاتفاقية، تبعًا لقيمة هذه العملة في تاريخ الحكم أو في التاريخ الذي تتفق عليه الأطراف- عن كل طرد أو وحدة شحن أخرى أو 5‚2 وحدة حسابية عن كل كيلوجرام من الوزن القائم للبضائع يهلك أو يتلف، أيهما أكبر. ثم تناولت في الفِقرة (ب) تحديد مسئولية الناقل عن الخسارة الناتجة عن التأخير في التسليم، بمبلغ يعادل مثلي ونصف مثل أجرة النقل المستخدمة الدفع عن البضائع المتأخرة، على ألا يتجاوز هذا المبلغ مجموع أجرة النقل المستحقة الدفع بموجب عقد النقل البحري للبضائع. ثم قررت في الفِقرة (ج) أنه لا يجوز في أي حال من الأحوال أن يتعدى مجموع مسئولية الناقل، بمقتضى الفِقرتين (أ) و(ب) المشار إليهما معًا، الحد الذي سيتقرر بمقتضى الفِقرة (أ) بالنسبة للهلاك الكلي للبضائع الذي تنشأ هذه المسئولية بشأنه.
7- إن المادة 19 من الاتفاقية (اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحري للبضائع لعام 1978) –في فقرتيها الأولى والثانية- توجب على المُرسَل إليه أن يُخطر الناقل كتابة بالهلاك أو التلف، مع تحديد الطبيعة العامة لهذا الهلاك أو التلف في ميعاد لا يتجاوز يوم العمل التالي مباشرة لتسليم البضائع، وإلا اُعتبر هذا التسليم قرينةً قانونيةً على أن الناقل سلَّم البضائع كما هي موصوفة في سند الشحن، وينتقل عبء إثبات أن التلف حدث وقت النقل البحري إلى عاتق المضرور. أمَّا إذا كان الهلاك أو التلف غير ظاهر فيجب أن يوجه الإخطار الكتابي خلال خمسة عشر يومًا متصلة تلي مباشرةً يوم تسليم البضائع إلى المُرسَل إليه.
8- المقرر –في قضاء محكمة النقض- أن عيب التلف يعتبر ظاهرًا في حكم القانون متى كان يدركه النَظِرُ اليَقِظُ ولو لم يكن في متناول إدراك غيره، فليس معيار الظهور في العيب معيارًا شخصيًا يتفاوت بتفاوت المستوى في الأنظار المختلفة، بل معيارًا متعينًا بذاته مقدرًا بمستوى نظر الشخص الفطن المتنبه للأمور.
9- المقرر -في قضاء محكمة النقض- أنه من الأصول المقررة أن العدل يأبى أن يجمع شخص بين البدلين -البضاعة ذاتها وقيمة التعويض المستحق عنها- فينتفع بالشيء وعوضه.
10- إذ كان الحكم المطعون فيه قضى بإلزام الطاعنة بالتعويض المحكوم به تأسيسًا على ما قاله من أن الثابت بالأوراق من تقرير معاينة شركة التأمين المؤرخ 17/5/2007 وتقرير الخبير المنتدب أن البضاعة تم شحنها صالحة للاستعمال إلا أن الناقل سلمها متحجرة غير صالحة للاستعمال، وأن ذلك كان بفعل الشركة الطاعنة لتأخرها في تسليم البضاعة، وأنها لم تثبت أن التلف كان بسبب لا يد لها فيه. غير أن الحكم المطعون فيه لم يستظهر ما إذا كان سند الشحن قد تضمن بيانًا بالحالة الموصوفة بها البضاعة من حيث كونها سائلة أم غير ذلك، كما لم يستظهر تاريخ استلام المطعون ضده للشحنة وتاريخ إخطاره للناقل بعيب التحجر، وما إذا كان هذا الإخطار قد تم في الميعاد المحدد في الاتفاقية من عدمه، والذي من شأن تخلفه أن تتحقق قرينة قانونية على أن الناقل سلَّم البضائع كما هي موصوفة في سند الشحن، ويجعل عبء إثبات أن التلف حدث وقت النقل البحري على عاتق المضرور، كما قضى الحكم بمبلغ التعويض عن كامل قيمة البضاعة دون أن يقف على المصير الذي آلت إليه تلك البضاعة، وما إذا كان المطعون ضده يحوزها من عدمه، مع ما لذلك من أهمية جوهرية في تحديد مقدار الضرر ومداه، وهو ما يعيب الحكم بالقصور في التسبيب الذي جره إلى الخطأ في تطبيق القانون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمــة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقررُ، والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع -على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق- تتحصل في أن المطعون ضده أقام على الشركة الطاعنة الدعوى رقم ... لسنة 2008 تجاري كلي شمال القاهرة بطلب الحكم بإلزامها بأن تؤدي له مبلغ 140,920 دولارًا أمريكيًّا، وبيانًا لذلك قال إنه بتاريخ 21/3/2007 وبموجب سند شحن لصالحه تم شحن بضاعة (جملكة) من ميناء كالكتا بالهند على الخط الملاحي للشركة الطاعنة - الناقل- إلى ميناء الإسكندرية بجمهورية مصر العربية، وبعد وصول الشحنة بتاريخ 5/5/2007 للميناء متأخرة عن الميعاد الذي قَبِلَه، والمقدر بأنه في غضون خمسة عشر يومًا من تاريخ الشحن، ثبت من تقرير معاينة شركة التأمين تلف البضاعة المشحونة، وإذ كانت وثيقة التأمين لا تشمل الأخطار الناتجة عن إهمال الناقل، وقد لحقته أضرار مادية وأدبية قدرها بالمبلغ المطالب به، فكانت الدعوى. ندبت المحكمة خبيرًا، وبعد أن أودع تقريره حكمت بتاريخ 14/4/2013 برفض الدعوى. استأنف المطعون ضده هذا الحكم بالاستئناف رقم ... لسنة 17ق القاهرة، وقضت المحكمة بتاريخ 24/9/2013 بإلغاء الحكم المستأنف وبإلزام الشركة الطاعنة أن تؤدي للمطعون ضده مبلغ 40,920 دولارًا أمريكيًّا. طعنت الشركة الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عُرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الشركة الطاعنة تنعَى على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون ومخالفة الثابت بالأوراق؛ إذ قضى بإلزامها بمبلغ التعويض المحكوم به على الرغم من أن سند الشحن محل التداعي منصوص فيه على عدم مسئوليتها عن أية أضرار ناشئة من التأخير.
وحيث إن هذا النعي في غير محله؛ ذلك أن اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحري للبضائع لعام 1978 الموقعة في هامبورج، والمعروفة باسم "قواعد هامبورج" Hamburg Rules، والتي حلت محل المعاهدة الدولية الخاصة بتوحيد بعض القواعد المتعلقة بسندات الشحن (بروكسل 1924) "قواعد لاهاي" والبروتوكولات الملحقة بها "قواعد لاهاي– فيسبي". والتي وُفِق عليها بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 104 لسنة 1979 المنشور في الجريدة الرسمية بالعدد 15 في 11 إبريل 1991، والتي أعيد نشرها من جانب وزارة الخارجية –الإدارة القانونية والمعاهدات- بالجريدة الرسمية بالعدد 25 في 18 يونيه سنة 1992 باستدراك الأخطاء المادية في تلك الاتفاقية، ودخلت حيز النفاذ الفعلي -وفقًا للمادة 30 منها- اعتبارًا من الأول من نوفمبر 1992، واعتبارًا من هذا التاريخ الأخير تُعامل نصوص هذه الاتفاقية في جمهورية مصر العربية معاملة القانون، وتطبق أحكامها وحدها على عقود النقل البحري للبضائع متى توافرت أحوال تطبيقها المبينة فيها، وهو ما يؤدي دائمًا إلى استبعاد تطبيق أحكام القانون رقم 8 لسنة 1990 بشأن التجارة البحرية في مسائل النقل البحري للبضائع التي تناولتها الاتفاقية. ولمَّا كان مؤدى المادتين 5 و23 من هذه الاتفاقية هو بطلان كل شرط يرد في عقد النقل البحري أو في سند الشحن أو في أية وثيقة أخرى مثبتة لعقد النقل البحري، يقرر استبعاد تطبيق تلك الاتفاقية أو إعفاء الناقل من المسئولية عن الخسارة الناتجة عن هلاك البضائع أو تلفها أو التأخير في تسليمها، بطلانًا مطلقًا متعلقًا بالنظام العام، في حدود مخالفته لها. لمَّا كان ذلك، وكان البين من الأوراق ومدونات الحكم المطعون فيه أن شِحنة النزاع تم شحنها من ميناء كالكتا بالهند بتاريخ 21/3/2007 بمعرفة الشركة الطاعنة –الناقل- بموجب سند شحن، وتم تفريغ تلك الشِحنة بميناء الإسكندرية بجمهورية مصر العربية، وهي دولة متعاقدة باتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحري للبضائع عام 1978 الموقعة في هامبورج، فإن سند الشحن محل النزاع يخضع للاتفاقية المشار إليها، باعتبار أن ميناء التفريغ المتفق عليه يقع في دولة متعاقدة عملًا بالبند (ب) من الفِقرة الأولى من المادة الثانية من الاتفاقية، ومن ثم فلا يجوز للشركة الطاعنة التحدي بأن البند الخامس من سند الشحن يعفيها من المسئولية عن التأخير؛ لبطلانه ومخالفته للاتفاقية. ولمَّا كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى نتيجة صحيحة بشأن عدم إعفاء الشركة الطاعنة من المسئولية، فلا تعيبه من بعد تقريراته القانونية الخاطئة المتعلقة باستناده إلى قانون التجارة البحرية للوصول إلى ذات النتيجة؛ إذ لمحكمة النقض أن تصححه دون أن تنقضه.
وحيث إن الشركة الطاعنة تنعَى على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك تقول إنه قضى بإلزامها بمبلغ التعويض تأسيسًا على تلف البضاعة كليًا، على الرغم من أن المطعون ضده استلم البضاعة في ميناء التفريغ وأفرج عنها جمركيًا وخزنها بمخزنه، ولم يقدم الدليل على إعدامها أو إعادة تصديرها، كما أن تقرير معاينة البضاعة بمخزنه في 17/5/2007 أفاد بإمكانية طحنها وإعادة بيعها كفرزٍ ثانٍ مقابل مبلغ 5580 دولارًا أمريكيًّا.
وحيث إن هذا النعي سديدٌ؛ ذلك أن مؤدى المادتين 4 و 5 من اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحري للبضائع لعام 1978 "قواعد هامبورج" أن التزام الناقل البحري بسلامة البضائع التي في عهدته وبعدم تأخير تسليمها هو التزام ببذل عناية لا بتحقيق غاية، يبدأ من الوقت الذي استلم فيه تلك البضائع من الشاحن في ميناء الشحن حتى الوقت الذي يتسلمها فيه المُرسَل إليه أو تُوضع تحت تصرفه في ميناء التفريغ، وكانت تلك القواعد -كما ورد بالمُرفق الثاني من الاتفاقية- تقيم مسئولية الناقل على أساس الخطأ المفترض، بحيث لا يحتاج المضرور إلا إلى إثبات الضرر؛ إذ يُفترض خطأ الناقل، كما تُفترض علاقة السببية بين الخطأ والضرر، ويجوز للناقل نفي قرينة الخطأ بإثبات أنه اتخذ، هو وتابعوه، جميع ما كان من المعقول تطلب اتخاذه من تدابير لمنع وقوع الضرر. وكانت المادة 6 من الاتفاقية المتعلقة بتحديد مسئولية الناقل قد تناولت في الفِقرة (أ) منها تحديد المسئولية عن الخسارة الناتجة عن هلاك البضائع أو تلفها، سواءً كان الهلاك أو التلف يرجع إلى التأخير أو غيره من الأسباب، بمبلغ يعادل 835 وحدة حسابية -من حقوق السحب الخاصة Special Drawing Rights (SDR)، وفقًا لطريقة التقويم التي يطبقها صندوق النقد الدولي، محولة إلى العملة الوطنية للدولة، عملًا بالمادة 26 من الاتفاقية، تبعًا لقيمة هذه العملة في تاريخ الحكم أو في التاريخ الذي تتفق عليه الأطراف - عن كل طرد أو وحدة شحن أخرى أو 5‚2 وحدة حسابية عن كل كيلوجرام من الوزن القائم للبضائع يهلك أو يتلف، أيهما أكبر- ثم تناولت في الفِقرة (ب) تحديد مسئولية الناقل عن الخسارة الناتجة عن التأخير في التسليم، بمبلغ يعادل مثلي ونصف مثل أجرة النقل المستخدمة الدفع عن البضائع المتأخرة، على ألا يتجاوز هذا المبلغ مجموع أجرة النقل المستحقة الدفع بموجب عقد النقل البحري للبضائع. ثم قررت في الفِقرة (ج) أنه لا يجوز في أي حال من الأحوال أن يتعدى مجموع مسئولية الناقل، بمقتضى الفِقرتين (أ) و(ب) المشار إليهما معًا، الحد الذي سيتقرر بمقتضى الفِقرة (أ) بالنسبة للهلاك الكلي للبضائع الذي تنشأ هذه المسئولية بشأنه. وتوجب المادة 19 من الاتفاقية -في فِقرتيها الأولى والثانية- على المُرسَل إليه أن يُخطر الناقل كتابةً بالهلاك أو التلف، مع تحديد الطبيعة العامة لهذا الهلاك أو التلف في ميعاد لا يتجاوز يوم العمل التالي مباشرة لتسليم البضائع، وإلا اُعتبر هذا التسليم قرينةً قانونيةً على أن الناقل سلم البضائع كما هي موصوفة في سند الشحن، وينتقل عبء إثبات أن التلف حدث وقت النقل البحري إلى عاتق المضرور. أما إذا كان الهلاك أو التلف غير ظاهر فيجب أن يوجه الإخطار الكتابي خلال خمسة عشر يومًا متصلة تلي مباشرة يوم تسليم البضائع إلى المُرسَل إليه. وكان من المقرر أن عيب التلف يُعتبر ظاهرًا في حكم القانون متى كان يدركه النَظِرُ اليَقِظُ ولو لم يكن في متناول إدراك غيره، فليس معيار الظهور في العيب معيارًا شخصيًا يتفاوت بتفاوت المستوى في الأنظار المختلفة، بل معيارًا متعينًا بذاته مقدرًا بمستوى نظر الشخص الفطن المتنبه للأمور. وكان من الأصول المقررة أن العدلَ يأبىَ أن يجمعَ شخصٌ بين البدلينِ –البضاعة ذاتها وقيمة التعويض المستحق عنها– فينتفع بالشيِء وعِوَضِه. لمَّا كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قضى بإلزام الطاعنة بالتعويض المحكوم به تأسيسًا على ما قاله من أن الثابت بالأوراق من تقرير معاينة شركة التأمين المؤرخ 17/5/2007 وتقرير الخبير المنتدب أن البضاعة تم شحنها صالحة للاستعمال إلا أن الناقل سلمها متحجرة غير صالحة للاستعمال، وأن ذلك كان بفعل الشركة الطاعنة لتأخرها في تسليم البضاعة وأنها لم تثبت أن التلف كان بسبب لا يد لها فيه. غير أن الحكم المطعون فيه لم يستظهر ما إذا كان سند الشحن قد تضمن بيانًا بالحالة الموصوفة بها البضاعة من حيث كونها سائلة أم غير ذلك، كما لم يستظهر تاريخ استلام المطعون ضده للشحنة وتاريخ إخطاره للناقل بعيب التحجر، وما إذا كان هذا الإخطار قد تم في الميعاد المحدد في الاتفاقية من عدمه، والذي من شأن تخلفه أن تتحقق قرينة قانونية على أن الناقل سلم البضائع كما هي موصوفة في سند الشحن، ويجعل عبء إثبات أن التلف حدث وقت النقل البحري على عاتق المضرور، كما قضى الحكم بمبلغ التعويض عن كامل قيمة البضاعة دون أن يقف على المصير الذي آلت إليه تلك البضاعة، وما إذا كان المطعون ضده يحوزها من عدمه، مع ما لذلك من أهمية جوهرية في تحديد مقدار الضرر ومداه، وهو ما يعيب الحكم بالقصور في التسبيب الذي جره إلى الخطأ في تطبيق القانون، بما يوجب نقضه على أن يكون مع النقض الإحالة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

OSZAR »